FINANCIAL TIMES

رياح منطقة اليورو العكسية مصدر قلق حقيقي للمستثمرين

رياح منطقة اليورو العكسية مصدر قلق حقيقي للمستثمرين

الصيف آخذ في الاقتراب في الولايات المتحدة وأوروبا، لكنه ليس الوقت المناسب كي يخطط فيه المستثمرون لعطلة طويلة. فاللهجة الحالية الهشة في الأسواق ربما تكون نذيرا باختبار يأتي خلال الأشهر القليلة المقبلة.
الخطر الكبير الذي يخيم على المحافظ الاستثمارية يتلخص فيما إذا كنا سنشهد تقاربا في المخاوف بشأن النقاط الضعيفة في الأسواق الناشئة مثل تركيا، واحتضان إيطاليا لحكومة شعبوية، وتشديد الشروط المالية في الولايات المتحدة.
كان هذا العام اختبارا لعزيمة المستثمرين. عدد من أسواق الأسهم العالمية الرائدة لم تعُد حتى الآن إلى الذروة التي حققتها في كانون الثاني (يناير). والموجة الكبيرة لعمليات الاندماج والاستحواذ، التي أصبحت ممكنة بسبب ارتفاع مستويات الديون، تدق ناقوس الخطر في بعض الأوساط بأن دورة الائتمان والشركات التي طال عليها الأمد تقترب من نهايتها. حتى طفرة أرباح الشركات الأمريكية في الربع الأول لم تتمكن من تهدئة المخاوف من أن تقييمات السوق ربما تكون قد بلغت ذروتها بالنسبة للدورة.
مع اقتراب شهر حزيران (يونيو)، ستكون اجتماعات صناع السياسة في الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي أحداثا مهمة في الوقت الذي يركز فيه المستثمرون أنظارهم على سلسلة من المقاييس المهمة التي ستقدم إشارات حول ما إذا كانت حالات الإجهاد في السوق ستزداد أم لا.
وأول الأسئلة التي تراود المستثمرين هو أي العملات الرئيسة يلزم رصدها؟
البيزو المكسيكي والزلوتي البولندي هما العملتان اللتان يلزم مراقبتهما بحثا عن دلائل للعدوى. فهما عملتان تتمتعان بالسيولة، ما يعني أن المستثمرين يستخدمون هاتين العملتين كوسيط لحالة عالم الأسواق الناشئة الأرحب خلال فترات العزوف عن المخاطر.
من الواضح أن الأرجنتين وتركيا تبرزان باعتبارهما أسوأ العملات أداء منذ بداية نيسان (أبريل)، لكن كلا من البيزو المكسيكي والزلوتي البولندي خسر ما يقارب 7 في المائة من قيمته خلال الشهرين الماضيين. في المرحلة الحالية، بلدان الأسواق الناشئة ذات الاعتماد الكبير على التمويل الخارجي، والتي تشمل كلا من الأرجنتين وتركيا وإندونيسيا وجنوب إفريقيا، هي الأكثر تعرضا لخطر مزيد من المعاناة من ارتفاع الدولار الأمريكي.
المشهد الأخير من سوق الوظائف الأمريكية، الذي يصدر يوم الجمعة المقبل، سيساعد في تشكيل التوقعات قصيرة الأجل للدولار ولعملات الأسواق الناشئة.
قال بوب ميشيل، كبير الإداريين الاستثماريين في جيه بي مورجان لإدارة الأصول: "الجميع يتطلع إلى ديون الأسواق الناشئة في الوقت الراهن لأن نسبة الديون الخارجية إلى الناتج المحلي الإجمالي أعلى مما كانت عليه قبل الأزمة الأخيرة. هناك الكثير من الحساسية التي أصابت النظام ككل إزاء سحب السيولة المالية منه".
بالتحول من الأسواق الناشئة إلى منطقة اليورو، كان وضع الفرنك السويسري يتعزز مقابل اليورو. قبل شهر واحد فقط، كان اليورو يعادل 1.20 فرنك سويسري، وهي القيمة الأرخص له منذ كانون الثاني (يناير) 2015. الآن، في الوقت يسود فيه الغموض الساحة السياسية في إيطاليا، يصبح الفرنك السويسري مرة أخرى مقياسا موثوقا للأخطار المرتبطة بالعملات في منطقة اليورو.
السؤال الثاني هو أي علاقات السندات الحكومية هي المهمة؟
اقتربت عائدات السندات المرجعية لأجل عشر سنوات في إيطاليا من 2.5 في المائة يوم الجمعة، مسجلة أعلى مستوى لها منذ أواخر عام 2014. وقد عمل موقف الائتلاف المناهض للتكامل الأوروبي والوعود بالتوسع في المالية العامة على إثارة التوتر في أوساط المستثمرين.
ويزيد هذا من حدة التركيز على العلاقات بين السندات الإيطالية والسندات الألمانية ـ الأخيرة هي المقياس المرجعي لمنطقة اليورو. الفجوة في العائدات، وهي مقياس للمخاطر التي يعانيها المستثمرون جراء امتلاكهم السندات الإيطالية، ارتفعت لتتجاوز مستوى نقطتين مئويتين.
القلق هنا هو أن التحرك إلى مستوى أعلى في عائدات السندات الإيطالية ربما يكون مجرد الجولة الافتتاحية لعمليات البيع. يقول محللون لدى سيتي جروب إن "إيطاليا هي الخطر العالمي الرئيس (...) نتوقع أن يتم بيع (السندات الحكومية الإيطالية) مع خروج مستثمري الأمد الطويل. ويتحول التذبذب إلى أزمة حقيقية إن قررت الحكومة الإيطالية تحدي الهيمنة الألمانية".
في بلدان أخرى تُصدر السندات السيادية، سيعمل أداء السندات الصينية والسندات الأمريكية المرجعية لأجل عشر سنوات على تشكيل المكان الذي يضع فيه المستثمرون أموالهم. والقلق من أن تتسبب حملة الصين على الإقراض المفرط في إلحاق أضرار بالاقتصاد يتم التأكيد عليه من خلال انخفاض عائدات السندات الحكومية لأجل عشر سنوات. سرعان ما تلاشت ذروة هذا العام التي شهدتها السندات الأمريكية لأجل عشر سنوات التي بلغت نسبتها 3.12 في المائة، مع وصول العائدات الآن إلى مستوى أقل من 3 في المائة، في الوقت الذي يتزايد فيه العزوف عن المخاطر وتتزايد الشكوك في أن الاحتياطي الفيدرالي سيرفع أسعار الفائدة أربع مرات هذا العام.
بالنسبة لمستثمري السندات، لا يزال سعر النفط ومقاييس التضخم محور تركيز كبير. توقعات الأسواق بشأن التضخم خلال العقد المقبل أخفقت في تجاوز مستوى 2.2 في المائة، وهو مستوى لم يتم الوصول إليه منذ صيف 2014، ولا يزال مستوى التعادل الأمريكي لأجل عشر سنوات مؤشرا مهما يستحق المراقبة.
ثالث الأسئلة هو هل تتعرض المصارف الأوروبية إلى مزيد من الضغوط؟
تنذر المصارف الأوروبية مرة أخرى بوجود مخاطر، مع اختبار مؤشر ستوكس 600 للمصارف أدنى مستوياته لهذا العام - كان أيضا أدنى مستوى له في 2017. انخفض المؤشر 7 في المائة وهناك مخاوف من أن الضغوط الهبوطية ستنتشر لتصل إلى ما وراء المصارف الإيطالية والإسبانية.
ماثيو مالي، الخبير الاستراتيجي لدى "ميلر تاباك"، يقول: "علينا أن نتذكر أن المصارف الأوروبية لم تعمل على تخفيض رفعها المالي بالطريقة التي انتهجتها المصارف الأمريكية. أي انخفاض آخر في أسهم المصارف الأوروبية يمكن، بل ينبغي، أن يشكل بعض الرياح المعاكسة أمام الكثير من الأسواق في وقت ما هذا الصيف".
وانتهى الأسبوع الماضي بعمليات بيع مكثفة لأسهم المصارف الأوروبية، مع تعرض المصارف الإيطالية والإسبانية لأكبر معاناة على اعتبار أن رد فعل المستثمرين كان سيئا إزاء الائتلاف الشعبوي في إيطاليا والتهديد الذي تواجهه حكومة رئيس وزراء إسبانيا، ماريانو راخوي.
بالتحول إلى سوق الأسهم الأمريكية، تعزيز الدولار، وفكرة أننا شهدنا نموا في أرباح الذروة خلال الدورة الحالية، يعملان على إثارة تباين بين مؤشر ستاندرد آند بورز 500 ومؤشر رسل 2000، موطن الشركات الأمريكية الأصغر حجما. لا يزال مؤشر ستاندرد آند بورز 500 أقل 5 في المائة عن الذروة التي وصل إليها في أواخر كانون الثاني (يناير)، في الوقت الذي حقق فيه مؤشر رسل مستوى قياسيا جديدا هذا الشهر. كما أن مستوى قطاع التكنولوجيا المدرج في مؤشر ستاندرد آند بورز أقل بقليل من المستوى المرتفع الذي بلغه في آذار (مارس).
ومن الأمور التي لا تناسب سوق الأسهم الأمريكية أن هناك علامات على وجود ضعف في كل أنحاء سوق سندات الشركات.
ما الذي يعنيه وجود الجيَشان في إيطاليا بالنسبة للبنك المركزي الأوروبي؟
حتى وقت قريب، كان من المتوقع على نطاق واسع أن يشير صناع السياسة في البنك المركزي الأوروبي في اجتماعهم المقبل إلى وجود استعداد لإنهاء برنامج التسهيل الكمي.
مع ذلك، أدت عمليات البيع الواسعة للأسهم والسندات الإيطالية، إلى جانب سلسلة من البيانات الاقتصادية الأضعف، إلى إثارة شكوك المستثمرين بأن على البنك المركزي تمديد جدوله الزمني.
بدأ العام مع تخفيض البنك المركزي الأوروبي برنامج شراء السندات الشهري لديه إلى النصف لتصبح قيمته 30 مليار يورو، ويتوقع أن يعلن عن نهاية لعمليات الشراء في أيلول (سبتمبر). مع هذا الجدول الزمني يكون المستثمرون قد احتسبوا نتائج اجتماع حزيران (يونيو) على أنه اجتماع يمكن أن يشير البنك فيه إلى أن النهاية ستكون في أيلول (سبتمبر). وأي تأخير من قبل صناع السياسة يمكن أن يؤدي إلى تمديد برنامج شراء السندات حتى العام المقبل.
آثار الجيَشان في إيطاليا ترددت أصداؤها عبر أسواق سندات بلدان منطقة اليورو الطرفية الأخرى، ما يشير إلى إمكانية مزيد من التقلب خلال الأشهر المقبلة في الوقت الذي تعود فيه المخاطر السياسية.
فريديريك دوكروزيه، الخبير الاقتصادي لدى شركة بيكتيت لإدارة الأصول، قال إن "السيناريو الأساسي لديه" لإنهاء برنامج شراء السندات في كانون الأول (ديسمبر) "لا يزال على حاله" لكن "المخاطر السلبية ارتفعت لدرجة لم يعد فيها من الممكن استبعاد برنامج آخر مفتوح للتسهيل الكمي".
وأضاف: "نتوقع بأن تزداد مبدئيا الضجة السلبية المحيطة بالميزانية الإيطالية، لكن مع تجنب العدوى النظامية لبقية أجزاء المنطقة".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES