Author

«مهرجان» التخبط الأوروبي ـ الإيراني

|
كاتب اقتصادي [email protected]
"رفض الولايات المتحدة للاتفاق النووي، يظهر أنه لا يمكن التعامل معها". علي خامنئي ـــ مرشد إيران كلما ارتفعت وتيرة الاجتماعات والاتصالات الأوروبية ـــ الإيرانية حول مستقبل الاتفاق النووي مع طهران، ظهر التخبط لدى الجانبين بخصوص هذا الاتفاق الهش. ويبدو أن الأوروبيين ما زالوا يحلمون بمعجزة تنقذ الاتفاق لأسباب باتت معروفة حتى لأولئك الذين لا يتابعون الحدث. وللتذكير فقط، على رأس هذه الأسباب تأتي المكاسب الاقتصادية التي تخطط لها أوروبا جراء عودة شركاتها إلى السوق الإيرانية. غير أنها "أي أوروبا" ضعيفة جدا في المسألة الإيرانية والمسائل العالمية الأخرى. باتت هذه القارة بدولها الرئيسة الثلاث، جزءا من المشهد العالمي من ناحية الشكل لا المضمون، ومن جهة البروتوكولية أكثر منها من الجانب العملي. والمثير، أن الحكومات في هذه القارة لم تعد ضامنة حتى بالنسبة لشركاتها! فهذه الأخيرة رأت أنه من الأسلم لها الخروج من إيران، قبل أن تطالها أيدي القانون الأمريكي العنيف. الإيرانيون يريدون مزيدا من التحرك الأوروبي من أجل إنقاذ الاتفاق النووي، وهم يعرفون الحدود التي يمكن أن تصل إليها أوروبا بهذا الخصوص. ولا يبدو مهما الآن "التعهد" الأوروبي بتأمين المطالب الإيرانية للحفاظ على الاتفاق، رغم بعض التصريحات الإيرانية الخجولة عن أهمية الدور الأوروبي، التي تصاحبها عادة تصريحات إيرانية أيضا تعارض الأولى من حيث الصيغة والمضمون! ومهما كان مستوى اللغة الدبلوماسية الأوروبية التقليدية الهادئة والمملة في آن معا، فالواضح أن الاتصالات بين أوروبا "الحليفة" والولايات المتحدة بهذا الخصوص، أكثر من متواضعة. والسبب أيضا يعرفه الجميع، وهو أن واشنطن لا تضع على الطاولة أي حلول وسط في مسألة الاتفاق النووي. فإما تنفيذ الشروط التي أطلقتها إدارة دونالد ترمب، وإما سيشهد العالم أقوى وأشد عقوبات ضد إيران على مر التاريخ، ناهيك عن اللغة الأمريكية "التشجيعية" للشعب الإيراني من أجل التخلص من نظامه الإرهابي. المثير للسخرية هنا، أن علي خامنئي مرشد ما يسمى بالثورة الإيرانية، توغل في أحلامه كثيرا ليطلق من جانبه سبعة شروط من أجل أن تبقى بلاده في الاتفاق! وهي شروط تتضارب بالطبع مع الشروط الأمريكية، ولاسيما فيما يتعلق بقدرات إيرانية الصاروخية، وحماية أوروبا لمبيعات بلاده النفطية، وكذلك تأمين المصارف الأوروبية للتجارة من إيران! أراد خامنئي أن ينفرد بأوروبا عندما أعلن حرص بلاده على السلام معها، لكنه لم يلبث أن هاجمها "وسمى بريطانيا وفرنسا وألمانيا" في النص الدعائي نفسه، لأنها تتبع الولايات المتحدة! حسنا، يريدها أن تتبع إيران! ولكن هل تقوى هذه القارة على فعل ذلك؟ الجواب العريض جدا، هو بالطبع - لا - كبيرة جدا. إنه الوهم "الخامنئي" الذي أضاع البلاد كلها من كل جانب. يراهن الأوروبيون "الحالمون أيضا" الآن على استراتيجية تجمع البلدان الموقعة على الاتفاق النووي دون الولايات المتحدة، وهم يقومون بإعدادها بحرص كبير. إنهم يحاولون الالتفاف على القرار الأمريكي بالانسحاب من الاتفاق المذكور، ويبدو أنه لم يصل إليهم اليأس حتى الآن. أي استراتيجية جديدة سيضعونها لن يكتب لها النجاح، إذا لم يلب النظام الإيراني الشروط الأمريكية كلها. الأمر ببساطة لا يمكن أن تحل المسألة برمتها إلا باتفاق جديد تدخل في صلبه شروط البيت الأبيض الأمريكي، وهي شروط تتعارض تماما مع "الشروط" الإيرانية، وإن حاولت أوروبا الحصول على "تنازلات" من طهران بصورة أو بأخرى. إن القرار الأمريكي نهائي، لا يمكن تعديله إلا بتحول إيران نفسها إلى بلد طبيعي يعيش بصورة طبيعية في منطقته. لا إرهاب، ولا عدوان، ولا خراب، ولا تصدير أوهام ثورة طائفية دنيئة. ولا شك أن هذه الصيغة لا يمكن أن تتماشى مع وجود نظام إيراني لا يستمر في الواقع بمعزل عن استراتيجية الخراب التي وضعها وينفذها، ضد مصالح شعبه أولا، وبلدان المنطقة ثانيا. المسألة أكبر بكثير من قضية تعديلات أوروبية ـــ إيرانية واهمة على اتفاق هش، فيه من الثغرات أكثر مما فيه من الأرضيات الصلبة التي يمكن البناء عليها. سيجعجع خامنئي "كما يفعل دائما" وسيهاجم واشنطن وكل العواصم الأوروبية، إلا أنه سيبقى أسيرا لاستراتيجيته التي يبدو أنها هي نفسها التي ستقضي على نظامه في النهاية. المجرمون عادة يقعون في شر أعمالهم، ومرشد إيران واحد منهم، بل يتصدر القائمة. واشنطن أعلنتها رسميا وعلى الملأ، من الأفضل للشعب الإيراني وشعوب المنطقة والعالم زوال نظام إرهابي كالذي يحكم في طهران. ليس هناك ما يبشر بالنجاح للجهود الأوروبية الهادفة لتسويق إيران سياسيا. فالتفسيرات الأوروبية لما يحدث في العالم، وخصوصا تلك القضايا الشائكة، لم تتبدل بما يكفي منذ أن كانت هذه القارة تسيطر على العالم. تفسيرات لم تعد خارج الخدمة، وبعيدة عما يجري على أرض الواقع فقط، بل صارت مملة.
إنشرها