Author

«افطر عندنا بكرة»

|
متى كانت آخر مرة سمعت فيها هذه الدعوة المفعمة بالمحبة؟ مع الأسف من العادات الجميلة التي توشك على الاندثار وخاصة في المدن الكبيرة هي عادة "اللمة" على الإفطار في رمضان، إلى وقت ليس بالبعيد كانت هذه العادة منتشرة بشكل جميل، حتى أن كثيرا من ربات البيوت والأمهات كانت تستمتع "باللمة على الفطور" التي كانت تجمع العائلات على سفرة الإفطار، لأنها تريحها فربما لا تطبخ سوى بضعة أيام خلال هذا الشهر الفضيل. في الوقت الذي نؤمن فيه بأن المدنية والتقدم منحانا كثيرا من الرفاهية والسهولة في حياتنا اليومية، وأقصد بها تلك الآلات التي سهلت الواجبات المنزلية للمرأة كالفرن والمكنسة الكهربائية وغسالة الملابس والصحون والثلاجة وأيضا المنازل الفسيحة، إضافة إلى وجود الخادمة في المنزل وغيرها من الأمور. رغم كل ذلك إلا أن النفوس أصبحت تستثقل "اللمة" العائلية على الإفطار، ولا أستغرب من ذلك إطلاقا فالتكلف الزائد في أصناف الطعام والأواني وديكورات السفرة والخوف من الانتقاد للأكلات التي أعدتها ربة المنزل، وكذلك مفهوم "وش زودنا إحنا، لازم نحط أحسن منهم"، وعدم الإحساس بالألفة والمشاعر الصادقة، كل تلك الأسباب وربما غيرها دفعت البعض للاكتفاء بالإفطار ضمن نطاق الأسرة الخاصة به فقط، ومن هنا بدأنا نفتقد جمال تلك اللحظات الإنسانية المفعمة بالحب والمشاعر وروحانية ليالي رمضان والسمر مع الأهل والأحباب. أصبحنا نقضي معظم أوقاتنا إما متسمرين أمام شاشات التلفزيون التي تقدم لنا الدراما الحزينة التي تزيدنا هما وغما وكأننا ناقصون، أو بعثرة أوقاتنا في المولات والتسوق الاستهلاكي، أو بالعبث بهواتفنا النقالة التي جلبت لنا كثيرا من الفراغ النفسي والانعزال العاطفي. حتى أطفالنا توشك أرجلهم على التصلب من قلة الحركة والركض وتفريغ الطاقات الهائلة في داخلهم لم نعد نرى أطفالا صغارا يلعبون في الحواري وأمام البيوت في ليالي رمضان، خوفنا المبالغ فيه سيجعل ذكرياتهم حين يكبرون تتمحور حول الأجهزة الذكية فقط . ما المانع أن نجعلهم يستمتعون بحلاوة اللعب مع رفاقهم وتحت إشرافنا بعيدا عن الجدران الأسمنتية! "افطر عندنا بكرة " إن قالها لك أحدهم يوما وهو يعنيها وخرجت من قلبه، فأنت فعلا محظوظ وتحتل مكانا مميزا في قلب الداعي فاقبل الدعوة ولا تتردد، ولكن اجعل شرطك الوحيد عدم التكلف في الإفطار. واستمتع بمشاعر صاحبك ومن معه ولا تشغل نفسك بتصوير الطعام وكتابة الكلمات المنمقة "لتنزيلها" في السناب. سئمنا من المشاعر المصطنعة والأحاسيس المعلبة! سؤالي: هل فعلا المدنية والتقدم أسهما في "انكماش" العلاقات الأسرية؟

اخر مقالات الكاتب

إنشرها