أخبار اقتصادية- عالمية

500 مليار دولار سوق الدفع عبر الهواتف في عام .. اقتصاد بلا نقود يغزو العالم

 500 مليار دولار سوق الدفع عبر الهواتف في عام .. اقتصاد بلا نقود يغزو العالم

هل النقود في طريقها للاختفاء من المعاملات والتداولات اليومية؟ وهل يمكن أن نشهد خلال السنوات المقبلة تلاشي النقود من عمليات البيع والشراء؟ وهل ستتوقف البنوك المركزية عن طبع العملات الورقية، وتصبح دار سك العملة المسؤولة عن سك العملات المعدنية أحد المزارات التاريخية؟ أم أن هذا مظهر من مظاهر الخيال الاقتصادي على غرار الخيال العلمي؟ فهل يمكن للمنظومة الاقتصادية ذاتها أن تستقيم دون أن يكون هناك عملات معدنية أو ورقية يتم تداولها؟.
عشرات الأسئلة تحيط بمستقبل النقود واستخدامها، تختلف وتتباين الإجابات بشأنها، ولكن المؤكد أن مستقبل النقود يختلف شكلا ومضمونا عما هو عليه الآن، فلكل شيء زمنه الخاص، ينمو يذبل ويختفي، وتلك هي دورة الحياة، وتنطبق أيضا من وجهة نظر الكثيرين على النقود.
وفي هذا السياق، يشير عديد من الخبراء البارزين، إلى أن النظام النقدي الحالي، لابد أن يخضع لتغييرات كبيرة في السنوات المقبلة، فتحديات مثل التضخم والاقتصاد السري أو غير المشروع وعمليات التزوير وغسيل الأموال، تمهد الأرضية لنظام اقتصادي جديد، قد يصبح بمقتضاه النظام النقدي الحالي، عائقا أمام الدول والحكومات للعمل معا بشكل أكثر شمولا وإنتاجية.
ستيفن جوردن أستاذ النقود والبنوك في جامعة ليدز، يعتبر أن النقود بمعناها الحديث وكما نعرفها الآن لم تكن موجودة إلا منذ بضعة قرون قليلة نسبيا، فقد طبعت أول ورقة نقدية في فرنسا في القرن السابع عشر، ومع هذا بدأت النقود تختفي في الـ 30 سنة الماضية.
ويضيف لـ "الاقتصادية"، أن السويد تعد حاليا أكثر المجتمعات البشرية غير النقدية على وجه الأرض، حيث لم تتجاوز النقود 1 في المائة من قيمة جميع المبالغ المدفوعة باستخدام العملات المعدنية أو الأوراق النقدية في العام الماضي.
ومن الشائع أن ترى في المحال التجارية في السويد شعار "نحن لا نقبل النقود"، والسبب الرئيس الذي دفع لهذا التغيير رغبة المحال التجارية في التقليل من مخاطر السطو والسرقة، ولهذا فإنها تحس العملاء على استخدام البطاقات الائتمانية، وفي كل السويد ووفقا للبنك المركزي السويدي تستخدم النقود الآن في أقل من 20 في المائة من المعاملات في المتاجر، مقابل 50 في المائة قبل خمس سنوات".
ويعتقد البعض أن التطور التكنولوجي يسهم بشكل كبير في تحول المجتمعات إلى نظم اقتصادية خالية من تداول العملة، بحيث سيكون عدم استخدامها محليا أو في عمليات البيع والشراء أحد معايير التقدم الاقتصادي من عدمه مستقبلا.
ففي السويد وعديد من المدن الأوروبية الأخرى، بات في قدرة البائعين المتجولين قبول دفع قيمة المشتريات عن طريق البطاقات الائتمانية، بفضل التقنيات الحديثة وأبرزها القارئ المتنقل للبطاقات الائتمانية، ومكنت تلك التقنيات المحمولة الباعة الجائلين من الحصول على مستحقاتهم عبر بطاقات الائتمان، وأدى ذلك إلى تراجع المتوسط السنوي للعملة السويدية المتداولة (الكرونا) من نحو 106 مليارات كرونا عام 2009 إلى 65 مليار كرونا فقط عام 2016
وترى جوليا جرين الخبيرة الضريبية أنه كلما تحول النظام الاقتصادي من نظام نقدي يتعامل بالعملات إلى نظام يتعامل ببطاقات الائتمان، كان ذلك في مصلحة الانضباط الضريبي.
وتضيف لـ "الاقتصادية"، أن عديدا من الخبراء الضريبيين يعلنون دعمهم التام للابتعاد عن التعامل المباشر بالنقود، ويدعون إلى مزيد من الاستخدام للبطاقات الائتمانية، إذ يضمن ذلك تفادي التهرب الضريبي، ويضمن تحقيق عدالة ضريبية أعلى في المجتمع، إذا ستكون عمليات البيع والشراء، أو دفع ثمن خدمة ما معروفة بشكل أكثر دقة للمؤسسات الضريبية".
لكنها مع ذلك تشير أيضا إلى بعض جوانب الضعف التي تنتاب عملية التحول من الاستخدام المباشر للنقود إلى البطاقات الائتمانية، وتشير جرين إلى أن" استخدام بطاقات الائتمان زاد بشكل كبير في السنوات الأخيرة وتتمتع الفيزا والماستر كارد بحصة تزيد على 80 في المائة من سوق بطاقات الائتمان العالمية، ويمكن اعتبار هذا بمنزلة احتكار قلة منظمة، ولكسر ذلك الاحتكار الذي ينعكس سلبا على مصالح المستهلكين، فإن نظاما جديدا وأكثر شمولا يتطور الآن، وذلك عن طريق الدفع عبر الهاتف المحمول".
وكان الاقتصاديان الأمريكيان ريتشارد سيبولا وإدجار ل.فيجي، قد أعادا عام 2011 دراسة شهيرة حول الفوائد التي يمكن أن يحققها الاقتصاد الأمريكي نتيجة التحول إلى اقتصاد غير نقدي، خلص فيها إلى أن ما يتراوح بين 18 - 19 في المائة من إجمالي الدخل الخاضع للضريبة في الولايات المتحدة، إما أنه لا يتم الإبلاغ عنه، أو أنه يتم الإبلاغ عنه بشكل غير صحيح، وقدر الباحثان أن الضريبة التي لم تدفع نتيجة ذلك بلغت عام 2008 نحو نصف تريليون دولار.
إلا أن الفوائد التي يجنيها النظام الاقتصادي بشقية المحلي والعالمي، بالابتعاد عن التعاملات النقدية المباشرة، لا تعد مغرية أو كافية لأن يغير قناعة عدد من الاقتصاديين والمصرفيين البارزين بحاجة النظام الاقتصادي إلى النقود بمعناها التقليدي، محذرين من الابتعاد عن وسائل الدفع التقليدية والارتماء التام في أحضان وسائل الدفع الحديثة.
الدكتور آر. إن. هاردي الاستشاري في مجموعة لويدز المصرفية ينتقد بشدة تلك التحولات، ويعتبرها خطرا على الاقتصاد خاصة الاقتصادات الناشئة، ويوضح لـ "الاقتصادية": "نحن لا نفهم تماما عواقب مجتمع بلا نقود، فأحد المخاطر للتحول إلى البطاقات الائتمانية أن الجميع سيكون رهينة لشبكات الدفع مثل باي بال وويسترن يونيون، ويمكنها إغلاق حسابات الأشخاص في أي وقت، تحت دواعي الأمن القومي.. كما أن أغلب شبكات الدفع ستتركز في أوروبا أو الولايات المتحدة، ما يجعل اقتصادات البلدان الناشئة عرضة للابتزاز والضغط، كما يجب أن نتساءل ما الذي سيحدث عندما نواجه أعطالا هائلة في تكنولوجيا المعلومات؟ وهذا أمر ممكن الحدوث، خاصة أن حروب المستقبل سيقودها أشخاص يجلسون وراء شاشات الكمبيوتر، وشركات تكنولوجيا المعلومات مثل فيسبوك وغيرها أثبتت عبر التجربة أنها لا تحترم الخصوصية وغير قادرة على حماية المشتركين، ولذلك فإننا نواجه مشكلة أخلاقية وأمنية جديدة ومليئة بالتحدي الكامل عبر النقود الإلكترونية وطرق الدفع الافتراضية".
إلا أن تبني الأجيال الشابة بسرعة لطرق الدفع الجديدة، شكل داعما قويا لتلك الطرق، وأضعف من جاذبية التعامل عبر النقد. ويتوقع الخبراء أن سوق الدفع عن طريق الهواتف المحمولة تجاوز 500 مليار دولار العام الماضي، وكلما اتسع نطاق هذه السوق ضعفت العلاقة بين الأجيال الشابة والتعامل النقدي.
ويعتقد البعض أن انتصار الشباب لفكرة عدم استخدام النقود والانحياز للبطاقات الائتمانية، يؤكد أنه حتى دون دعم حكومي، فإن هذا الاتجاه سينتصر، ففي المملكة المتحدة على سبيل المثال لا تمثل الحسابات النقدية سوى 3.9 في المائة من جميع المدفوعات من حيث القيمة مقارنة بـ 10.7 في منطقة اليورو و8.1 في المائة في الولايات المتحدة.
ويشهد البنك المركزي البريطاني جدلا بين تيارين أحدهما يدعم الابتعاد عن استخدام النقد، والآخر يقف على الضفة الأخرى. وعلى الرغم من أن أنصار "اقتصاد بلا نقد" يقرون بأن عمليات الدفع الرقمية ستساعد في القضاء على التهرب الضريبي والسرقة والفساد والإرهاب وتجارة المخدرات والاتجار بالبشر، فإنهم يقرون بأنه سينجم عنها أنواع جديدة من الجرائم، لكن من الجانب الاقتصادي فإنهم يعتقدون بأنها ستسهم في زيادة الإنتاجية الاقتصادية.
البروفسير نيك هبكنز العضو السابق في اللجنة المالية لبنك إنجلترا، يرى أن اقتصاد غير نقدي سيساعد السياسة النقدية ويدعمها من خلال السماح بفرض أسعار فائدة سلبية في أوقات الركود، وأن القول إن هذا النمط الاقتصادي سيهمش كبار السن والمهمشين الذين لا يستطيعون التعامل بسلاسة مع بطاقات الائتمان، اتهام مجحف.
ولـ"الاقتصادية" يعلق قائلا "الفقراء وكبار السن يعاقبون حاليا على اعتمادهم على النقد، فهذا الاعتماد المفرط على استخدام العملة سواء الورقية أو المعدنية يجعلهم غير قادرين على الوصول إلى الخصومات والخدمات الرقمية، كما أن النظام غير النقدي يجعلهم أقل عرضة للسرقة ولاستغلال أرباب العمل، وما نسعى إليه حاليا اقتصاد "أقل نقودا" وليس اقتصادا بلا نقود".
ويضيف "التحول جار، واقتصاد بلا نقود لا يعني انتهاء الرغبة في جني المال، وإنما يعني تقليل الخسائر الناجمة عن استخدام النقود في التعاملات اليومية".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- عالمية