FINANCIAL TIMES

تكلفة باهظة لاختيار أمريكا ترمب السير وحدها

تكلفة باهظة لاختيار أمريكا ترمب السير وحدها

إليك خطوات فن دونالد ترمب في إيذاء النفس. أولاً، طالب الصين بالتخلص من فائضها مع أمريكا، وإلا فإننا سنشن حرباً تجارية. ثانيًا، تأكد من أن فريقك التفاوضي منقسم ومرتبك. ثالثًا، أن تستسلم بعد أن قدمت الصين بعض التعهدات غير المجدية مثلما فعلت إدارة ترمب نهاية الأسبوع الماضي.
بعد ذلك، تكتشف في نوبة من الغضب أنه قد غُرر بك. وأخيرا استأنف التهديدات الحارقة بشن حرب تجارية.
لم يتخذ ترمب حتى الآن هذه الخطوات الأخيرة. لكن مثلما يتوالى الليل عقب النهار، سيفعل. الجدلية الأساسية لترمب هي التهديدات التي تتبعها المصالحة يليها الغضب ثم التهديدات. هذه هي الحال على نحو متكرر.
وهو يتبع النمط نفسه مع كيم يونج أون زعيم كوريا الشمالية. في العام الماضي هدد ترمب بمسح هذا البلد من على وجه الخريطة. ثم اكتشف أن "رجل الصواريخ الصغير" كان شريفا.
حتى إن البيت الأبيض صك عملات تذكارية للقمة المقررة الشهر المقبل في سنغافورة. والآن بدأ ترمب يشتبه في أنه ربما تم استغفاله. الآن كيم قبل كل شيء ربما لا يرغب في نزع السلاح النووي. ترمب مستعد بالقدر نفسه إما للمصالحة أو الغضب. نادرا ما يكون هناك موقف وسط بين هذين الأمرين.
ما ثمن هذه التقلبات المزاجية الشرسة؟ التكلفة الفورية هي إضعاف نفوذ أمريكا. مع كل دورة جديدة، تؤخذ تهديدات الإدارة بجدية أقل. لا بأس على الإطلاق في القول إن "زد تي إي" ZTE، إحدى الشركات الرائدة في قطاع الاتصالات في الصين، تنتهك القانون الأمريكي باستمرار وسيتم حظرها. لكن حين تتابع الموضوع من خلال التغريدات، فإن الرئيس ترمب يريد الآن إعادة "زد تي إي" إلى العمل، وسيتم التقليل من قيمة موقفه السابق. في الوقت الذي يعود فيه إلى خطابه المشتعل، كما سيفعل ترمب بالتأكيد، لن تشعر الصين بذلك القدر الكبير من القلق. فهي تعرف طبيعة النمر المصنوع من ورق حين ترى نمرا من ورق. وينطبق الشيء نفسه على كوريا الشمالية. أضف إلى ذلك رد إيران على انسحاب أمريكا من الصفقة النووية. ورد فعل أوروبا على التهديدات التجارية.
لكن هناك تكلفة أكثر حدة على أمريكا، والعالم، تفوق بكثير الأذى الفوري الذي يلحقه ترمب بنفسه. وهذه تأتي على شكلين. الأول تراكمي. كلما زادت استهانة الولايات المتحدة بالنظام العالمي الذي بنته، كان الإصلاح أصعب. لا يزال حلفاء أمريكا يتشبثون بالأمل في أن يكون ترمب رئيسا لمرة واحدة. لن يتم استبداله فقط برئيس أكثر تقليدية، لكننا نحتاج فقط إلى الانتظار لمدة عامين ونصف العام قبل أن يحدث ذلك.
إذا فاز ترمب مرة أخرى عام 2020، فإن هذا سيؤكد ما يخشاه الجميع: أن أمريكا اتخذت قرارًا دائمًا بالابتعاد عن النظام العالمي الذي أنشأته. يمكننا منذ الآن قياس الفرق بعد 18 شهرًا.
كان هناك وقت يمكن فيه لرئيس أمريكي أن يعطل مبادرات الآخرين وأن يجعلهم يضعفون. فكر في بروتوكول كيوتو عام 1999 بشأن الاحتباس الحراري. أو الغزو الأنجلو - فرنسي - إسرائيلي للسويس عام 1956. تطور العالم منذ فترة قبل أن يصل ترمب إلى السلطة. ورئاسته برهان على ذلك. فحين سحب ترمب أمريكا من الشراكة عبر المحيط الهادئ، كما فعل في أسبوعه الأول، لم تمت الصفقة التجارية. إنها على قيد الحياة وبصحة جيدة. وينطبق الشيء نفسه على اتفاق باريس بشأن تغير المناخ. أراهن على أن أوروبا والصين ستبقيان على الاتفاق النووي الإيراني على قيد الحياة أيضاً. أصبح الأمر عادة. يتعلم الحلفاء والخصوم على حد سواء كيفية الحفاظ على الصفقات دون الولايات المتحدة.
لكن يجب على العالم أن يتعامل مع التقلبات المزاجية الشرسة لترمب. تكتيكاته مع الصين مثال على ذلك. في الأسبوع المقبل، سيحاول وزير التجارة الأمريكي ويلبر روس التوصل إلى نسخة القرن الـ21 من اتفاق المقايضة. وسيطلب من الصين الموافقة على عقود طويلة الأجل لشراء فول الصويا الأمريكي والغاز والصلب وسلع أخرى.
لو كان روس يعمل مع رئيس مختلف، فإنه سيخاطب الصين إلى جانب أوروبا واليابان، الشريكين التجاريين الرئيسين لأمريكا. وكانوا سيضغطون بشكل جماعي على الصين لتنفيذ الإصلاحات الهيكلية. بدلاً من ذلك، يهدد ترمب بفرض إجراءات عقابية على حلفاء أمريكا. في هذه الأثناء، يجب على الصين أن تلتزم بشراء سلع أمريكية ذات قيمة مضافة منخفضة على حساب شركاء أمريكا التجاريين. يطلق الاقتصاديون على هذا تعبير "التجارة المدارة". غير الاقتصاديين يصفونها بأنها استصراخ للمساعدة. وهي تجعل القواعد التي أنشأتها أمريكا مهزلة.
التكلفة الثانية لطريقة ترمب في الصفقات تتمثل في خطر حدوث صراع. هناك دائما الخوف من أنه سيصبح رهينة كلماته الخاصة. في الأسابيع الأخيرة كان مستمتعا بالتفكير في التغطية الإعلامية لجائزة نوبل المنتظرة بسبب نزع سلاح كوريا الشمالية. الآن هو يتعلم أن ذلك كان سوء فهم رهيب.
لدى ترمب حالان فقط. فهل سيتظاهر بأنه لا يسمع ويلتقي كيم على أي حال؟ أم سيعود إلى لعبة نووية تقوم على انتظار أن يستسلم أحد الطرفين؟ الفرق ليس تافها.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES