Author

بعض الغياب حضور

|
نخطئ أحيانا في الحضور الزائد في كل مكان. في مناسبات تعنينا وأخرى لا تعنينا. الظهور في وسائل التواصل الاجتماعي بتبذير في مواضيع تخصنا ولا تخصنا. نبدي آراءنا في كل شيء حتى لو لم تحتو آراؤنا على شيء. غير مدركين أن هذا الحضور قد يقلل من قيمتنا ويؤثر في أسمائنا وسيرتنا. الغياب أحيانا حضور والحضور أحيانا غياب. سئل الدكتور غازي القصيبي رحمه الله في أحد اللقاءات الصحافية عن سبب غيابه عن عديد من المناسبات الاجتماعية وعزوفه عن تلبية دعوة كثير من المؤسسات الثقافية. فأجاب إجابة عميقة تتجسد في أن قبوله للدعوات السخية التي تصله سيحرمه من ممارسة القراءة والكتابة التي يحبها. وسأل الأديب الراحل الصحافي الذي التقاه: "هل تعتقد لو كنت حاضرا بكثافة في كل في المناسبات التي أدعى لها، سأستطيع أن أجد وقتا للقراءة والكتابة، بالتأكيد، لا". قرأت قبل أسابيع دراسة نشرتها صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" عن أبرز الدوافع التي تؤدي إلى رفض الشركات للمتقدمين لشغل وظائف، وقد كان في مقدمتها الإسراف في المشاركة في وسائل التواصل الاجتماعي. فأظهرت الدراسة مخاوف إدارات الشركات من تعيين موظفين ينفقون أوقاتا طويلة على منصات وسائل التواصل الاجتماعي. فأصبح النظر إلى عدد المشاركات والمحتوى الذي يصنعه المتقدم للوظيفة من أبرز النقاط التي تلتفت لها الشركات قبل اتخاذ قرار التعيين من عدمه. إذن علينا أن نفكر مرارا قبل أن نشارك في هذه المنصات. فكل شيء محسوب، وما تكتبه سيلاحقك وقد يدينك ويقض مضجعك. لا شك أن وسائل التواصل الاجتماعي أسهمت في تطوير قدرات وعلاقات الكثير منا لكنها أيضا قد تتحول إلى معول هدم في أي لحظة. قد تعصف بأحلامنا وطموحاتنا وتطلعاتنا بسبب مشاركة عاطفية أو انفعالية. كن شخصا يتوق الآخرون إلى حضوره. احرص يا صديقي على النوعية وليس الكم في حضورك في كل مكان افتراضيا أو واقعيا. فالحضور الغزير كالغياب التام مضر ومؤذ. وتأكد أن منجزك وإنجازك هو الذي سيسهم في نموك وارتفاعك وليس غزارة حضورك ومشاركاتك. وتذكر دائما أن بعض الغياب حضور.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها