FINANCIAL TIMES

هوس «الدولة العميقة» يسيطر على ترمب وفريقه

هوس «الدولة العميقة» يسيطر على ترمب وفريقه

في الكوميديا الكلاسيكية "واصل يا كليو"، يوليوس قيصر "كما لعب دوره الراحل كينيث وليامز" ينطق هذه الجملة الخالدة: "هؤلاء الأشرار، الأشرار، كلهم عازمون على إيذائي". يبدو أن شيئًا من روح قيصر كما صوَّرَتْه مسرحية وليامز هو الذي يحرك دونالد ترمب في الوقت الذي يشتكي فيه بغضب على "تويتر" بشأن مؤامرة مزعومة ضده.
الرئيس الأمريكي ساخط بشأن "أعنف مطاردة للساحرات في التاريخ الأمريكي". وكثيرا ما يتهم أعضاء من حكومته بالتآمر ضده، مغردا بغموض أن هذا "شيء كبير. دولة عميقة".
هذا الاتهام - أن هناك "دولة عميقة" تضم موظفي الأجهزة الحكومية مصممة على القضاء على رئاسة ترمب - أصبح من الأمور المعتادة بين أشد مؤيدي الرئيس. وروّج اثنان من الكتب الأكثر مبيعاً في الآونة الأخيرة للفكرة والعبارة: "مؤامرة تدمير ترمب" The Plot to Destroy Trump بقلم تيد مالوش وروجر ستون. و"قتل الدولة العميقة" Killing the Deep State بقلم جيروم كورسي. كما تبنى أقرب مؤيدي الرئيس وأقاربه هذه الفكرة. قال ابنه دونالد "الدولة العميقة حقيقية، وغير قانونية، وتعرض الأمن القومي للخطر".
اتهامات عالم ترمب التي تتحدث عن مؤامرة "الدولة العميقة" لتدمير الرئيس تزداد الآن من حيث الحجم، مع الكشف عن استخدام مكتب التحقيقات الفيدرالي مخبرا للتحقيق في العلاقات بين حملة ترمب وروسيا. ترمب نفسه اعتبر هذا الخبر تأكيدا إضافيا على وجود مؤامرة من المؤسسة السياسية تهدف إلى تقويضه.
لكن كون أن النظرية مشهورة لا تجعلها حقيقة. لا يوجد أي دليل على أن مكتب التحقيقات الفيدرالي، ولا حتى "الدولة العميقة"، كانا عازمين على تدمير حملة ترمب. على العكس من ذلك، جيمس كومي، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، أسدى معروفا إلى ترمب من خلال إعادة فتح تحقيق علني في سوء إدارة هيلاري كلينتون لرسائل البريد الإلكتروني الرسمية - مع التزام الصمت حيال شكوك مكتب التحقيقات الفيدرالي في وجود روابط بين الدولة الروسية وحملة ترمب. وحقيقة أن مخبرا من مكتب التحقيقات الفيدرالي كان يحقق في الأدلة على وجود هذه الروابط ليس، كما يدعي ترمب "أكبر فضيحة سياسية على الإطلاق". فهذا بالضبط ما يجب أن يفعله جهاز المخابرات.
قد يكون الجدل حول "الدولة العميقة" مزيفاً. لكنه لا يزال كبيرا. لأنه يكشف عن مدى دخول الهوس والأوهام الآن في التيار الرئيسي للخطاب السياسي الأمريكي – وبتشجيع من الرئيس نفسه.
النظرية القائلة بوجود "دولة عميقة" وراء الكواليس تتلاعب بالسياسيين وتسيطر على مسار الأحداث هي الأكثر انتشارًا تقليديًا في البلدان الأفقر من الولايات المتحدة، التي تعاني مستويات تعليمية أدنى وتقاليد ديمقراطية أضعف.
في أماكن مثل تركيا وباكستان ومصر وتايلاند وإندونيسيا، فكرة "الدولة العميقة" أبعد ما تكون عن الخيال. شهد جميع هذه البلدان انقلابات عسكرية "أحيانًا بشكل متكرر" عندما كانت القوات المسلحة تتحرك ضد السياسيين المنتخبين.
تركت هذه التجارب المؤلمة إرثًا من الخوف بشأن الروابط بين الشركات والجيش وأجهزة المخابرات. هذه النواة من الشكوك المبررة غالباً ما توجد ثقافة سياسية، في بلدان مثل تركيا، حيث تنتشر نظريات المؤامرة - وهو أمر يفسد الثقة بالمؤسسات التي هي أساسية لديمقراطية فعالة.
لا ينبغي أن تكون هناك حاجة لأن نقول ذلك، لكن التقاليد السياسية الأمريكية تختلف كثيراً عن التقاليد في تركيا أو باكستان. ليس للولايات المتحدة تاريخ من الانقلابات العسكرية. ولأمريكا تقليد راسخ في الخدمة المدنية المستقلة التي تمتثل للقانون والدستور.
لذلك عندما تتولى فروع أخرى من الحكومة التحقيق في مسائل تتعلق برئيس أثناء وجوده في المنصب - كما حدث مع ريتشارد نيكسون وبيل كلينتون والآن دونالد ترمب – فهذا ليس دليلاً على وجود مؤامرة غير قانونية لتخريب إرادة الشعب. إنما السبب في ذلك هو أن الرؤساء ملزمون بالقانون والدستور الأمريكي. وكما كتب جون مايكلز في مقال حديث لمجلة "فورين أفيرز" Foreign Affairs، مشكلات إدارة ترمب "لا تأتي من دولة عميقة وغير ديمقراطية " لكنها ببساطة من الدولة - الخلية الكبيرة المعقدة للأشخاص والإجراءات التي تشكل الحكومة الفيدرالية الأمريكية".
ومع ذلك، الشكوك حول "الدولة العميقة" في أمريكا تمتد إلى ما هو أبعد من اليمين الذي ينتمي إليه ترمب. فكرة أن هناك مصالح رأسمالية غامضة تتلاعب بالحكومة هي جزء لا يتجزأ من الفكر اليساري. كما أن نمو "مجتمع الاستخبارات" خلال الحرب الباردة ثم "الحرب على الإرهاب" أثار أيضاً مخاوف حول اليد الطولى لدولة سرية.
تظهر هذه الشكوك في شعبية نظريات المؤامرة حول كل شيء ابتداء من اغتيال كينيدي إلى أحداث 11 سبتمبر. المسلسلات التلفزيونية مثل X-Files (وشعارها: "الحقيقة هناك") أشاعت فكرة وجود شبكة قوية تخفي الحقيقة عن الناس العاديين.
النتيجة المؤسفة هي أن الاتهامات التي تتحدث عن مؤامرة "الدولة العميقة" ضد رئاسة ترمب تكتسب زخما وجمهورا واسعا بشكل مدهش. لذا من المهم ملاحظة السرعة التي تنزلق بها هذه النظريات إلى الخيال الجامح. يجادل كتاب "قتل الدولة العميقة" ليس فقط بأن "الرئيس ترمب عرضة لمحاولة انقلابية (...) من قبل الدولة العميقة"، بل يذهب أيضا إلى أن هدفها هو "تنفيذ عمليات قذرة، بما في ذلك الاتجار غير المشروع بالمخدرات وتزويد الجماعات الإرهابية بالأسلحة، على نحو يعزز أهداف (النظام العالمي الجديد) للنخبة العالمية المؤمنة بالعولمة".
بصفتي عضوًا في تلك النخبة المؤمنة بالعولمة، أقترح ألا أضيع مزيدا من الوقت في هذه الأشياء. لدي مخدرات يجب أن أبيعها وصفقات أسلحة يجب أن أعمل على تنفيذها.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES