Author

حماية الهوايات والاهتمامات

|

يعتقد البعض أن الترفيه والترويح عن النفس من آخر الأولويات وأحيانا لا يدخلونها إلى قائمة الأولويات بالكلية. بينما يتحدث علماء النفس والناجحون عن أهمية الأنشطة التي تسمى أحيانا "جانبية" وكيف أنها أساسية بشكل يتجاوز التوقعات ولها دور لا يمكن تجاهله في تكوين الشخصية وتحفيز الأداء وحصر التعاسة وطرد الكسل والأوهام. وهذا تماما ما تؤكده لنا "الرؤية" في مفرداتها إذ ذكرت أن الثقافة والترفيه من مقومات الحياة لهذا سيدعم استثمار الطاقات والمواهب ويحتفي بالمبدعين وستدشن الظروف مكانا وزمانا لاستيعاب كل ما يشجع على ذلك. وممن استبشر بهذا التغيير، أصحاب الهوايات العاشقون الذي سلكوا دروب الإبداعات الشخصية والاهتمامات الإيجابية "الجانبية" من وقت مضى، آملين خيرا في كل تغيير قادم من تشريعات وثقافة وممارسات.
قد تحاول تقليد الأسماك غوصا في الماء أو تختال مثل الطير في السماء أو تسبر أغوار العقل والروح متأملا في صنيعة الخالق، وربما ترسم على جدار أو تقلقل لحما في الصحراء. في كل الأحوال ستجد نفسك مستقلا لا تبحث عن دعم ولا عن جهة تتبناك، ولكنك ستتمنى العثور على طريق خال من الإزعاج وسياق متشبع بالحرية يمنحك القدرة على القيام بما ترغب، كما تريد. هذا الاندماج الذي تبحث عنه من أهم مقومات الحياة المتكاملة التي تتممها الهوايات والممارسات الترفيهية عموما، وهو شرط للاتزان المهني والحياتي وتجديد للإيجابية وتحقيق للحيوية والتفاعل المجتمعي الصحي.
تمثل الهوايات والاهتمامات محور الترفيه الفردي والأسري الذي يمكن تغذيته وتحفيزه ذاتيا، ولكن تتم تهيئة الأجواء والبنى التحتية والتشريعية له من قبل عدد من الجهات، سواء كانت مسؤوليتها الأولى الترفيه أو الرياضة أو السياحة، أو غير ذلك ممن تنص مسؤولياته على رعاية الأجيال أو ترويج الثقافة. تعمل اليوم كل جهة على عدد من مؤشرات الأداء، وفيها ما يخدم بشكل مباشر أصحاب الهوايات والاهتمامات المرتبطة بعمل هذه الجهة. ولكن، يتعامل صاحب الهواية والاهتمام عادة أثناء ممارسته مع عدد من الجهات وليس مع الجهة الوحيدة الأقرب لهوايته، فيخرج صباحا إلى مكان تنظمه جهة أمنية، بعد أن اشترى أدواته من متجر رخصت له البلدية، وقد اشترى من مستورد فسحت له الجمارك وتشرف عليه التجارة. ثم يتحرك بأدواته قاطعا المسافات بحثا عن موقع مثالي متاح للممارسة بحرية ولكن بترتيب بلا عشوائية، يعرف فيه ما له وما عليه. في النهاية يود أن يعود إلى منزله بسلام بعد أن راجع مع أصدقائه إرهاصات التجربة وتحدياتها.
حتى يتحقق هدف ترويج هذه الممارسات الإيجابية التي لا يشكك أحد في قيمتها اجتماعيا وثقافيا وإنسانيا، لا بد أن تعمل منظومة الدعم والتحفيز لها بشكل شامل، إذ تشمل أولا جميع الهوايات والاهتمامات، وثانيا، كل الجهات سواء كانت راعية أساسية للممارسة أو تتعامل وتشرف عليها في مرحلة ما. ولتحقيق هذا الهدف المهم لا بد من اتقاء التعارضات الواردة والتعرف عليها والاعتراف بها، مثل الحماية الصحية أو الأمنية مقابل فتح المجال للمغامرات، أو الحماية البيئية مقابل تيسير الأماكن وتجهيزها. ما يحصل اليوم يعكس تباعدا في الأهداف، في حين يحفز بعضهم للقيام بهوايته، تقوم جهة أخرى بحماية ما تشرف عليه من مواقع من هذا الشخص نفسه الذي يتم تحفيزه! وهذا يجعلنا نتساءل كيف يتم تحقيق الهدف الذي ينفذ كلا الجهدين من أجله؟
لا أجد أفضل من وجود تنظيم لحماية الهوايات والاهتمامات يجمع بين كل هذه الممارسات ويبين الإطار العام للسلوكيات والأنشطة التي يتاح المجال لترويجها وتحفيزها، وما يقابلها من سلوكيات أخرى يتم اتقاؤها والبعد عنها. ويشمل مثل هذا التنظيم تحديد وتفعيل أدوار الجهات المتأخرة التي تعتقد أن دورها مقتصر على حماية أصل ما دون أي اعتبار للمستفيدين من خدمات جهة أخرى تروج للتعامل مع هذا الأصل. هذا التوازن والتنسيق هو مربط الفرس، وهو ما يكفل الاهتمام بهذه القيم يشكل حقيقي، وليس مجرد تعبئة للنماذج أو إصدار للتراخيص.
من حق الجميع أن يمارسوا هواياتهم سواء كانت صيدا للأسماك أو ركوبا للدراجات النارية، ومن حقهم أن يستفيدوا من الثروات الطبيعية ومن واجباتهم المرتبطة بذلك حمايتها والحفاظ عليها. ومثل ذلك ممارسة الهوايات في الأماكن العامة واحترام الخصوصية. ومثل ذلك الاهتمامات الجديدة في العالم الافتراضي والانضباط الأخلاقي. وجود مثل هذا التنظيم يسرع من تحسين الوعي وإدارة التغيير بشكل استثنائي، لأنه يرتبط بأنشطة طوعية يقوم بها ممارسها بعد حب واهتمام خاص وليست مجرد وظائف وأعمال وجدوا أنفسهم فيها. وجود تنظيم لهذا الحق المهم "حماية الهوايات" انعكاس طبيعي للجهود الجبارة التي تتم في فترة زمنية وجيزة ويعكس ترتيبا حضاريا لمسألة مهمة تستحق الاهتمام.

إنشرها