Author

حجم الاندماج والاستحواذ وموافقة «هيئة الاتصالات»

|

تعتبر عمليات الاندماج والاستحواذ من العمليات التي تنطوي على تركزات لشركات أو زيادة في ملكيات شركة ما في شركات أخرى لأسباب كثيرة. نتيجة لذلك يسعى عدد من الدول من خلال أجهزة المنافسة لديها إلى مراقبة هذه الاندماجات والاستحواذات لتتأكد من أن هذه الاندماجات والاستحواذات لن تشكل سيطرة لشركة أو مجموعة من الشركات على السوق، أو أن شركة ما تسعى لاحتكار السوق. وهذه المراقبة وإن كانت تختلف من دولة إلى دولة في تجربتها ما بين مضيق وموسع فيها، تتم عادة أو الأصل من خلال جهاز واحد فيها، وهو جهاز المنافسة. وحتى في الدول التي تتدخل فيها جهات ذات علاقة يوجد تنسيق عال ومذكرات تفاهم قوية نسبيا بين تلك الأجهزة، وهناك إلى حد ما وضوح فيما ترغب فيه كل جهة في القضايا أو المسائل التي ترغب كل جهة مراقبتها والتأكد منها، وأشرت إلى ذلك في مقال من حلقتين بعنوان "هيئة الاتصالات ومجلس المنافسة والموافقة على الصفقات". على الرغم من أن اللائحة التنفيذية لنظام الاتصالات تشتمل على تفاصيل أكثر من اللائحة التنفيذية لنظام المنافسة، ونشر هيئة الاتصالات ملخص تقرير تحديد وتصنيف الأسواق والسيطرة في قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات، الذي يعد خطوة إيجابية، إلا أنه من المهم التنبه إلى مسألة توحيد الإجراءات وتوحيد الجهود وتضافرها للوصول إلى الهدف المنشود أو الذي ينبغي الاتفاق عليه.
في هذا المقال، أشير إلى مسألة جوهرية وهي الازدواج الواضح بين عمل هيئة الاتصالات والهيئة العامة للمنافسة فيما يتعلق بصفقات الاندماج والاستحواذ وممارسات المنافسة، وأهمها هو حجم الصفقات المطلوب تقديم طلب بشأنها من قبل هيئة الاتصالات. نجد أن نظام الاتصالات يلزم بالحصول على موافقة مجلس هيئة الاتصالات عند شراء مشغلين أو أي شخص غيرهم (5 في المائة) من أسهم أو حصص مشغل آخر مرخص له في المملكة، أو بما يجعل المشتري في وضع مشغل مسيطر؛ أي مشغل تغطي خدمته 40 في المائة من سوق اتصالات محددة في المملكة. لن أخوض في هذا المقال في طريقة صياغة ما يتعلق بتعريف المشغل المسيطر والنسبة المحددة والمدة المتروكة للائحة ومسألة السيطرة نفسها، بل في مسألتين أساسيتين:
أولاهما: أن 5 في المائة نسبة بسيطة، وفي الوقت نفسه قد تكون مرهقة للقطاع الخاص، ومكلفة للقطاع الخاص والهيئة، محل الإشكال هنا ليس الموافقة في حد ذاتها لو كانت الطلبات سيتم فحصها من وجهة نظر إحصائية، بل الإشكال أن هذه الطلبات تخضع للأحكام التي تخضع لها صفقات لشراء نفسها (40 في المائة) أو (60 في المائة) من شركات أخرى أو ربما السوق.
ثانيتهما: أنه في حال كان الاستحواذ أو الاندماج يشكل (40 في المائة) من سوق محددة، فإن هذا يعني أن هيئتين حكوميتين مستقلتين ستقومان بفحص ومراجعة هذه الصفقة للمبدأ نفسه، وهو تشجيع المنافسة ومنع الاحتكار، وسيصدر قراران قد يتفقان وقد يختلفان، وعند الاختلاف سيكون العائق أمام الشركات والمستثمرين، كما سينشأ نوع من التعارض وعدم الوضوح في كون الجهتين الحكوميتين ينبغي أن تتفقا في الهدف بينما النتيجة مختلفة. ويبقى التساؤل عن المخاوف التجارية أو الاقتصادية من ناحية المنافسة التي تتطلب فحص أو موافقة هيئة الاتصالات عند حدوث صفقات استحواذ واندماج بـ 5 في المائة من مشغلين آخرين، وقيمة هذه الاستحواذات أو الاندماجات ربما تعتبر ضئيلة جدا، ولا سيما أن موافقات الأجهزة الحكومية قد تعتبر أحد العوائق التجارية أو الاقتصادية بالنسبة للقطاع الخاص، الذي يحتاج إلى تحفيزه لممارسة أنشطته وقراراته الاستثمارية بالحد الممكن من المرونة.

إنشرها