ثقافة وفنون

هارون الرشيد .. والشوق «الغريب» إلى بغداد

هارون الرشيد .. والشوق «الغريب» إلى بغداد

هارون الرشيد .. والشوق «الغريب» إلى بغداد

استوقفني كالكثيرين الزفاف الأسطوري لزواج الأمير هاري والممثلة الأمريكية ميجان ماركل، الذي وصف ‏بزفاف القرن، وما رافقه من مظاهر بذخ وترف وأرستقراطية وتسليط أنظار وأضواء عليه. ودفعني فضولي ‏لأنقب بين صفحات التاريخ، باحثة بين ثناياه عن محطات مماثلة في تاريخنا الغابر، وبينما كنت منهمكة ‏ومنغمسة بالغوص عميقا في عقلي الباطني، سارحة في عالم الخيال، مقلبة صفحات تاريخنا العربي الذي ‏أحفظه عن ظهر قلب، فإذ بكلمات مسبوكة مصكوكة بذهب الشعر المنثور وبصوت مبحوح تتسرب إلى ‏مسامعي لتوقظني من رومانسية الزمن الجميل: «بغداد مرة أخرى .. لقد ازداد شوقي إليها يا جعفر... ‏كلما ابتعدت عنها أشعر بشوق غريب .. وكلما ‏اقتربت منها أشعر بتوجس مريب..‏» هذه كلمات قصي ‏خولي في المشهد الأول من مسلسل «هارون الرشيد» الذي انتظر الجميع بدء عرضه. ‏
إنه هارون الرشيد، هو من أبحث عنه، إنه ضالتي لصاحب لقب «زفاف القرن» إبان تاريخنا العربي، ‏حيث وصف ابن خلدون في كتابه «العبر والمبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ‏ومن عاصرهم من ‏ذوي ‏السلطان الأكبر»، زواج الرشيد الأسطوري من زبيدة ابنة ‏عمه، فيقول «تقاطر الناس من كل الأمكنة ‏ووزعت مبالغ مالية لم يشهد لها الإسلام من قبل ‏مثيلا». ‎

من طربوش الخديوي إلى عمامة الرشيد
بعد النجاح والرواج الذي لاقاه مسلسل «سرايا عابدين»، وبعد تجسيده هذه الشخصية في جزءين من ‏العمل، ‏غاب الفنان قصي خولي عن الموسم الرمضاني الماضي، إلى أن عاد هذا العام أكثر قوة من ‏خلال تجسيده ‏شخصية تزيده تألقا في المسلسل الجديد «هارون ‏الرشيد»، فخلع باشا «سرايا عابدين» طربوش الخديوي إسماعيل واعتمر عمامة أمير المؤمنين «الخليفة ‏الرشيد»، ليقدم شخصية الخليفة العباسي الأكثر جدلا في التاريخ الإسلامي، بكل ما فيها من ثراء ‏وسمات، التي تحتل مكانة مرموقة في التاريخ الإسلامي على الرغم من الجدال الذي أثير حوله، ورغم الكثير ‏من المحاولات المشبوهة لتشويه صورته في التاريخ.‏

نموذج للرجل العربي
رغم أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها تجسيد شخصية «هارون الرشيد» في عمل درامي ‏تلفزيوني، إلا أن هذا العمل تميز بتناول حياة الخليفة العباسي ‏كنموذج للرجل العربي في ذلك العصر، لذلك العمل اختلف في فكرته ومضمونه عن تلك المسلسلات التي ‏تناولت قصة حياة «هارون الرشيد» من قبل.‏
وتدور أحداث المسلسل، الذي تم تصويره في «قصر السراب» في أبوظبي، ‏حول الصراع الذي عاشه هارون ‏عندما استدعاه أخوه "الهادي" كي يعزله، لولا تدخل والدته "الخيزران"، كما يتعرض للصراعات والدسائس ‏التي كانت تدور في القصر وحوله، وآفاق الحضارة التي شهدتها فترة حكم الخليفة الرشيد، حيث تبدأ القصة بمرحلة ما قبل وصول هارون الرشيد إلى السلطة حيث يستدعيه ‏أخوه «الهادي» ويريد عزله قبل أن تتدخل «الخيزران» والدة هارون، لتبدأ المرحلة الثانية من العمل التي ‏تستعرض الفترة من تولية «هارون الرشيد» الحكم إلى وفاته، ويتم فيها رصد أوج الحضارة العربية وأوج ‏تعامله مع المحيط ومع صراعات القصر والمؤامرات والدسائس التي كانت تحاك ضده، مع الإشارة إلى أن مسلسل «هارون الرشيد» قد منع عرضه فى سورية وإيران، وتم تدشين حملات مقاطعة للعمل في كلا البلدين بسبب مناقشته للفتنة المذهبية وتسليطه الضوء على فتنة البرامكة التي حدثت بين العرب والفرس في أيام هارون الرشيد، على حد قولهم، وهو ما اعتبر تحريضا ضد إيران. 

بصمة سعودية
ولقد كان لافتا في مسلسل هارون الرشيد مشاركة نخبة كبيرة من الممثلين المخضرمين ومن بينهم الفنان السعودي عبدالمحسن ‏النمر ‏الذي يجسد شخصية جعفر بن يحيى البرمكي صاحب الحضور المثير للجدل في تاريخ الدولة ‏العباسية، والممثلة السعودية المقيمة في الإمارات أسيل عمران في دور سيرين، هذا إلى جانب باقة من أبرز الممثلين العرب، على رأسهم كاريس بشّار (زبيدة) وعابد فهد ‏‏(موسى الهادي) وياسر المصري (يحيى البرمكي) وحبيب غلّوم ‏‏(إسماعيل) وكندة حنّا (العبّاسة) وسمر سامي (الخيزران) وسواهم.‏
وفي حديثه عن الفيلم قال الفنان السعودي عبد المحسن النمر أن جعفر البرمكي صديق مقرب من هارون الرشيد وذو حظوة لدى الخليفة وهو قريب في السن منه، ويشكل جعفر الحلقة الواصلة بين البرامكة وهارون الرشيد ويقع جعفر في علاقة حب خاصة مع العباسة شقيقة هارون وتتطور الأمور ومعها تتطور الشخصية إذ يتجاوز جعفر صلاحياته داخل القصر بحكم أنه وزير الخليفة، فتتدهور العلاقة مع الرشيد بسبب العلاقة مع العباسة لما في ذلك من مس بسمعة هارون.
ويؤكد النمر أن نهاية الشخصية مرتبطة بنهاية البرامكة الذين يتم القضاء عليهم، ويندرج ذلك في إطار المقولة الشائعة: «لو دامت لغيرك لما وصلت اليك».
وحول العمل ككل قال النمر إن المسلسل بوصفه تاريخيا، فهو كالبدوي أو التراثي، يضيف مساحة من الأريحية له في الأداء، لكون التاريخي يعيد صنع شخصية بعيدة عن الواقع المعاصر.

دراما ليست الأولى
لن يكون مسلسل «هارون الرشيد»، الذي يتم عرضه في شهر رمضان هذا العام، ‏من إنتاج شركة ‏‏جولدن لاين، ومن كتابة عثمان جحا وإخراج عبد الباري أبو الخير، العمل التلفزيوني الأول الذي سيقدم ‏شخصية الخليفة العباسي الأشهر، حيث سبق تقديم شخصية الرشيد، دراميا في عدد كبير من ‏المسلسلات التلفزيونية الرمضانية العربية على مدار السنوات المنصرمة‎.‎‏ ولعل أبرزها مسلسل ‏«الأمير ‏المجهول» ، الذي جسد الفنان المصري الراحل نور الشريف شخصية الخليفة العباسي الخامس، وتم ‏عرضه في عام 1997م، وكتب قصته الشاعر الراحل عبد السلام أمين، فيما أخرجه أحمد توفيق، وركز فيه على أحد الجوانب المهملة والغامضة في سيرة الرشيد، وهي تلك التي تتعلق بزواجه ‏السري من إحدى الفتيات وإنجابه ابنه الأكبر الذي سيُعرف بعد ذلك باسم أحمد السبتي، الذي ستشيد ‏المصادر التاريخية كثيرا بزهده وتقواه وحسن سيرته.‏
أما المسلسل الأبرز الثاني فتم عرضه عام 2006 وحمل عنوان «أبناء الرشيد: الأمين والمأمون»، أنتجه ‏المركز العربي للإنتاج الإعلامي في الأردن، وألفه كل من غسان زكريا وغازي الذيبة، فيما أخرجه شوقي ‏الماجري، فقد تم تسليط الضوء على السنوات الأخيرة من حياة الرشيد الذي جسد شخصيته الفنان ‏السوري رشيد عساف‎.‎‏ فتم استعراض العلاقة المضطربة ما بين أبناء الرشيد، محمد الأمين ابن زبيدة ‏بنت جعفر الذي نال دعم العصبية العربية، وعبد الله المأمون ابن الأم الفارسية الذي اصطفت بجانبه ‏جموع الفرس والعجم‎، وقد نجح كل من العملين المذكورين في تسليط الضوء على واحدة من الزوايا المهمة في شخصية ‏الرشيد، واستطاعا معا اجتذاب شريحة كبرى من المتابعين والمشاهدين‎.‎
كانت الأعمال التاريخية، ولا تزال، جزءا رئيسا لا يتجزأ من مجموع الأعمال الدرامية التلفزيونية التي يتم تقديمها في شهر رمضان كل عام من خلال القنوات الفضائية والأرضية العربية، وعلى الرغم من كثرة الجدل حول هذه النوعية من المسلسلات بسبب كثرة التجاذبات بين ناقلي الأحداث التاريخية، إلا أنها أساسية لتنوير العقول من خلال الأحداث التي تقدمها، فهل سينجح مسلسل «هارون الرشيد» في تقديم صورة حقيقية عن هذه الشخصية أم سيلحقه الجدل واللبس كغيره من المسلسلات؟!
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون