أخبار اقتصادية- عالمية

محللون دوليون: اقتصاد إيران مهترئ .. طهران في مؤشر البؤس العالمي

محللون دوليون: اقتصاد إيران مهترئ .. طهران في مؤشر البؤس العالمي

بعيدا عن الحملة الإعلامية التي تقودها وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية، وتروج فيها أن اقتصادها صامد في مواجهة الضغوط الأمريكية، يعلم النظام الإيراني قبل خصومه، أن وضعه الاقتصادي سيسير من سيئ إلى أسوأ، وأن ما تبثه الآلة الإعلامية الإيرانية من أكاذيب لتثبيت أعوانها، ليست أكثر من محاولة فاشلة لحجب شعاع الشمس بغربال.
فالضغوط الاقتصادية الدولية التي تقودها الولايات المتحدة بدأت آثارها تثمر سريعا في حالة من الارتباك داخل هيكل النظام الإيراني، وليس المنظومة الاقتصادية فحسب، حتى قبل أن يعلن مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي الشروط الأمريكية للتوصل إلى اتفاق نووي جديد من الإيرانيين.
ففي اللحظة الراهنة، يكاد يجمع معظم الخبراء الاقتصاديين، بأنه بات من المؤكد أن يتباطأ معدل نمو الاقتصاد الإيراني هذا العام، مع تراجع صادرات النفط وتدفقات الاستثمارات الأجنبية، خاصة بعد الشروط التي وضعها وزير الخارجية الأمريكي لتوقيع أي اتفاق نووي مستقبلي جديد مع طهران. 
وتثير معدلات التضخم المرتفعة أزمة كبيرة في البلاد، وليس لدى السلطات أي أمل في منع هبوط حاد في قيمة الريال مما قد يتسبب في قفزة أخرى في معدلات التضخم. فقد وصل سعر صرف العملة الإيرانية في السوق السوداء مطلع ايار (مايو) الجاري 75 الف ريال للدولار، في مشهد يزيد الشكوك حول مستقبل العملة وقدرتها على مواجهة الانهيار المحتمل.
ويرجع ارتفاع أسعار المستهلكين إلى أسباب من بينها الاحتجاجات العامة التي أخمدت في كانون الثاني (يناير) الماضي، بعدما لقي ما لا يقل عن 25 شخصا مصرعهم.
ويقول لـ "الاقتصادية"، البروفسير إسماعيل حسين زاده الخبير في الاقتصاد الإيراني، إن "تدفقات الاستثمارات الأجنبية ستتراجع، وهي من الأساس محدودة وليست بالضخامة التي يحاول النظام الترويج لها، فمن الصعب على أي دولة أو مستثمر فردي أن يغامر ويستثمر في إيران مع غياب اليقين السياسي والمخاطر الناجمة عن العقوبات الأمريكية"، وقد خفض صندوق النقد الدولي توقعاته بشأن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الإيراني، إذ لا يتوقع أن يتجاوز هذا العام 3.1 في المائة و0.8 في المائة العام المقبل، وذلك مقابل توقعات سابقة بلغت 4.3 في المائة و4.5 في المائة على التوالي".
ويوضح لـ "الاقتصادية"، الدكتور ماجي راسل أستاذة الاقتصاد الدولي، أنه "مع انسحاب الشركات الأوروبية من الأسواق الإيرانية، فإن الأمور ستعود إلى الوضع الذي ساد بين 2010 و2015، وستؤدي الخسارة الكبيرة في عائدات النفط للمزيد من خفض قيمة العملة الإيرانية الريال التي فقدت قيمتها بالفعل مقابل الدولار بمقدار ثلاث مرات تقريبا بسبب حالة عدم اليقين التي تنتاب الوضع في إيران".
وتستدرك قائلة: "سيؤدي الضغط الاقتصادي الخارجي وانخفاض قيمة العملة وتآكلها إلى انفجار في معدلات التضخم، نتيجة انخفاض التدفقات الأجنبية، والتي حتما ستؤدي إلى تراجع ملحوظ في الاستهلاك المحلي ومستويات المعيشة".
وتضيف راسل: "على المستوى الاقتصادي الأكبر، ارتفاع التضخم وانخفاض النمو بالنسبة للشركات الإيرانية سيزيد من تكاليف تشغيلها، لاسيما تلك التي تعتمد على الأسواق الخارجية سواء لمدخلاتها أو صادراتها، ولن يكون أمام الحكومة إلا فرض ضوابط على الأسعار والسيطرة على رأس المال، وهذا سييوجد حوافز للتهريب والأسواق السوداء، وعلى الأمد الطويل سيصبح الاقتصاد الإيراني أكثر اعتمادا على الحكومة والقطاع العام". 
وتكمن أحد أبرز المشاكل التي سيواجهها الاقتصاد الإيراني، أن نظام الملالي راهن بشدة أن يؤدي رفع العقوبات في عهد الادارة الأمريكية السابقة للرئيس أوباما، إلى تدفق الشركات الدولية العاملة في مجال البترول والغاز على إيران، لاستغلال الثروة النفطية وتطويرها بعد أن أصابها الاضمحلال والتراجع نتيجة سنوات طويلة من العقوبات، وفقدان القدرة على تطوير حقول النفط أو الغاز، وفي الواقع فإن ذلك حدث بشكل ملحوظ وهو ما تجلى في العقود التي وقعتها شركة "توتال" الفرنسية مع الجانب الإيراني، لكن تشدد الموقف الأمريكي أعاد الأمور إلى المربع الأول، إذ بدأت تلك الشركات في الانسحاب من الأسواق الإيرانية.
وتشير التقديرات إلى توقعات بانخفاض صادرات إيران النفطية بما يتراوح بين 500 – 700 ألف برميل يوميا في أواخر العام الجاري، وأن يصل حجم صادراتها في أفضل تقدير إلى 2 مليون برميل يوميا، بعد أن بلغت العام الماضي 2.5 مليون برميل.
أما بالنسبة للغاز فلا شك أن وضع طهران تحسن نسبيا بعد رفع العقوبات عام 2016، وعادت طاقتها الإنتاجية إلى مستويات ما قبل العقوبات، والآن تغير الوضع فشركة "توتال" تمتلك حصة قدرها 50.1 في المائة في مشروع جنوب بارس، وتشارك معها شركة البترول الوطنية الصينية بنسبة 30 في المائة، وشركة بتروبار الإيرانية بنحو 19.9 في المائة، وقد أعلن الجانب الفرنسي أنه سيتخلى عن جميع العمليات ذات الصلة قبل فترة الـ 180 يوم التي منحتها واشنطن للشركات لوقف تعاملها مع الكيانات الإيرانية، والنتيجة توجيه ضربة إلى قطاع الغاز الإيراني خاصة أنه كان يتوسع ببطء.
وفيما تشن الأبواق الإيرانية حملة منظمة في عديد من وسائل الإعلام التابعة لها، وتشكك في مصداقية الأرقام الدولية بشأن أداء الاقتصاد الإيراني، يشير تحليل الأرقام الرسمية عن الوضع المزري الذي وصل له الاقتصاد الإيراني في عهد الملالي، فآخر الاحصاءات الرسمية تشير إلى أن معدل البطالة بلغ 11.9 في المائة، ومعدل التضخم وصل الى 8.3 في المائة.
إلا أن اقتصاديين محايدين مثل الدكتور ستيف هانك أستاذ الاقتصاد التطبيقي بجامعة جونز هوبكنز، وعبر تحليل رياضي محض لمستوى تحرك الاسعار في الاقتصاد الإيراني، قدر معدل التضخم بنحو 71.1 في المائة، مشيرا إلى أن المؤشرات الإيرانية المتاحة تظهر أن طهران تحتل المرتبة الثالثة في مؤشر البؤس العالمي، وهو مؤشر يقيس العلاقة بين معدل البطالة ومعدل التضخم.
ويتجلى البؤس الإيراني الناجم عن الوضع الاقتصادي المهترئ، في قرار محمد نوبخت رئيس منظمة التخطيط والميزانية في شهر نيسان (أبريل) الماضي عندما أعلن عن إلغاء دعم حكومي، ليتضرر بذلك نحو 24 مليون إيراني يعتمدون بشكل ملحوظ على الدعم الحكومي للسلع، ويأتي هذا القرار في وقت اعترفت فيه حكومة روحاني بأن 33 في المائة من الإيرانيين يعيشون تحت خط الفقر، بينما تتواصل عملية استنزاف الحرس الثوري وتحديدا فيلق القدس بمباركة المرشد الأعلى علي خامنئي مقدرات وثروات الشعب الإيراني، لنشر الدمار والخراب في البلدان العربية عبر أنصاره من حزب الله والنظام السوري ومليشيات الحشد الشعبي والحوثيين.
الدكتورة روز كوربون أستاذة الاقتصاد القياسي تعتقد أن الوضع الاقتصادي والمعيشي للإيرانيين سيكون أكثر سوءا في الفترة المقبلة، وتوضح لـ"الاقتصادية"، أن إيران تسير على خطى فنزويلا، وأعتقد أن معدل التضخم سيقفز إلى أكثر من 100 في المائة كما هو الحال في فنزويلا وزامبيا في عهد موجابي، وعندما يصل معدل التضخم إلى هذا المستوى فإن القوة الشرائية للنقود تفقد 50 في المائة من قدرتها الشرائية كل 12 شهرا، وهذا سيضع معاناة كبيرة على الشعب، وعندما يكون الناس غير قادرين على تحمل تكاليف إطعام عائلاتهم فإن الانتفاضات تحدث، ومنذ أواخر العام الماضي تشهد إيران ارتفاعا في معدلات الاحتجاجات الجماهيرية، ومن ثم يمكن القول إن مستقبل إيران الاقتصادي والسياسي يبدو قاتما وكئيبا".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- عالمية