default Author

الخسارة خلال المفاوضات خطوة نحو فرص أكبر «2 من 2»

|

يتم تقديم القضايا إلى المحكمة الدنيا عادة، ومن ثم يتم تصعيدها إلى المحكمة العليا. فبحسب الدستور الأمريكي لا تقبل المحكمة العليا الدعاوى بشكل مباشر، لكن ماربوري تزرع بقانون يعطي المحكمة العليا السلطة بالتدخل في مثل حالته، وبشكل عام التدخل في شؤون السلطة التنفيذية "الرئاسية" أو التشريعية "الكونجرس".
وجد القضاة أنفسهم أمام موقف استثنائي، فعليهم اتخاذ القرار فيما إذا كان ماربوري يستحق المنصب، كما يجب عليهم قبول الدعوة بشكل مباشر. اتفقوا في النهاية على إصدار حكم بحق ماربوري في التعيين، لكنهم رفضوا تسليمه أوراق قرارات التعيين، وبذلك أثبتوا عدم دستورية القانون الخاص الذي استعان به ماربوري.
اختارت المحكمة العليا تقليص سلطاتها لإرساء الشرعية مستقبلا "عرفت لاحقا باسم مذهب المراجعة القضائية". فخسارتها مهدت الطريق أمام إرساء منهجية عادلة وأكثر استقرارا ونجاعة.
يوجد مثال آخر مشابه، استخدم فيه أحد الشخصيات السياسية في أمريكا استراتيجية مشابهة لتحقيق الفوز. فبعد أن خدم في المجلس التشريعي للولاية عدة سنوات، خاض انتخابات مجلس الشيوخ الأمريكي ضد اثنين من المعارضين، شيلدز وترمبل. بعد فترة قصيرة تراجع مرشحنا إلى المركز الثاني عندما دخل السباق حاكم الولاية. انسحبت الشخصية السياسية التي نتحدث عنها من المنافسة بشكل مثير للدهشة ليفوز بعدها ترمبل على نحو مفاجئ. فلماذا انسحب مرشحنا؟ وكيف استطاع ترمبل تعزيز موقفه؟
بمجرد دخول حاكم الولاية إلى السباق وامتلاكه فرصة جيدة للفوز، تحول مباشرة هدف مرشحنا من الربح إلى الحؤولة دون فوز الحاكم الحالي بالكرسي، وأدرك أنه من الأفضل التعاون مع مرشح مشابه، لمصلحة سياساته الاجتماعية والاقتصادية. إلى جانب ذلك، كانت لديه مخاوف حيال أساليب الحاكم الذي اتهم فيما بعد بالاحتيال. على هذا النحو انسحب ليعطي ترمبل أصوات الناخبين المخلصين له.
استطاع مرشحنا من خلال التضحية بنفسه ووضع القضية أولا، كسب احترام الجميع. ليبدأ لاحقا "لعبة" جديدة في حزبه، تقوم على العدالة والتعاون لتحقيق مصالح جميع الأطراف، حتى لو تطلب ذلك أن ينتظر أحد الأعضاء دوره. بعد خسارة جولتين انتخابيتين في مجلس الشيوخ، أصبح أبراهام لينكولن الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة. فعندما انسحب لينكولن من انتخابات مجلس الشيوخ في المرة الأولى، استطاع إلى حد ما مشاركة ترمبل التزاما بإلغاء العبودية. ليشارك ترمبل بعد عدة سنوات في كتابة التعديل الثالث عشر للدستور الأمريكي الذي يقضي بذلك.
كما نرى، امتلك لينكولن طموحات في التفاوض أعلى بكثير من مجرد الفوز بجولة واحدة في سباق، وكان قادرا على رؤية الصورة الأكبر، فانسحابه لم يكن لتوطيد علاقته بترمبل، فتلك الخطوة محفوفة بالمخاطر. بالنسبة إلى لينكولن خسارته كانت مجرد بداية للعبة يتعاون فيها الجميع، بحيث يتقبل فيها الأشخاص فكرة الخسارة في بعض الأحيان، بحيث يتسنى لكل شخص الربح فيما بعد بضع مرات على الأقل، وبإمكان الجماعة ككل الكسب.
خسارة المفاوضات قد تجد شرعية جديدة تنعكس إيجابا على اللعبة. فبإمكاننا خسارة جولة مفاوضات اليوم لضمان التزامات أكبر مستقبلا. على سبيل المثال، على الرغم من امتلاك الأهل السلطة لمعاقبة أبنائهم على سلوكيات معينة، فقد يختارون الطريق الصعبة، ويقضون وقتا أكبر في الحوار مع أطفالهم بدلا من ذلك. قد يكون مثل أولئك الأهل عرضة لخسارة المفاوضات، لكنهم يعلمون أطفالهم أن لغة الحوار والحجج والحقائق هي أفضل طريقة لحل الاختلافات.
على الرغم من ذلك، تبقى الخسارة للوصول إلى هذه الأهداف استراتيجية محفوفة بالمخاطر. فقد يرفض الطرف الآخر شرعيتنا، أو يتراجع عن الالتزامات بعدها، فلا يوجد شيء في المفاوضات والحياة مضمونا. فنحن نتخذ قراراتنا في ظل المعلومات المتوافرة لدينا، على أمل أن نكسب ثقة أكبر خلال المفاوضات مستقبلا، فقد تكون الخسارة في المفاوضات استراتيجية ذكية للفوز على المديين المتوسط والبعيد، وينبغي أن تتم من خلال شرعية واضحة وأهداف معينة لتفادي أن تتحول إلى خسارة بحتة اليوم وغدا.
ومع ذلك، فإن الإصرار على عدم الخسارة والقيام بكل ما يتطلبه الأمر للفوز، حتى في حال كنا على خطأ أو لا نستحق الربح، لا يعتبر فعلا أنانيا فقط، بل بمنزلة أسرع طريقة للبدء بإزالة نسيجنا الاجتماعي، الذي يعتمد في نهاية المطاف على كيفية تصرفنا أثناء التفاوض مع الغير.

إنشرها