Author

«المتسبّب» مهنة مسلوبة

|

كانت كلمة "متسبّب" شائعة الاستخدام لوصف مَن يشتغلون بالبيع والشراء، وتحديداً ممّن يعملون لمصلحة أنفسهم، وقد يمتلكون منشآت متناهية الصغر. هذه المهنة هي الينبوع الذي خرج منه معظم تجار الرعيل الأول؛ يبدأ صبي دكان، وبعد أن يجيد مبادئ البيع والشراء ينفصل ليصبح "متسبّباً". هذه الوظيفة بالذات هي التي تسلل منها بعض الوافدين بمساعدة بعض المواطنين لاستلاب الاقتصاد السعودي، عبر ما يُعرف الآن بـ "التستر". هذا التسلل الذي "نخر" قطاع التجارة لدينا كما تنخر السوسة الحمراء النخل، فتجعلها خواء.
ومع كل ذلك فهناك مَن يستخف بحجم هذا التسلل وتأثيره في الاقتصاد، وهذا استخفاف في غير محله، إذ تشير التقديرات إلى أن نحو 20 في المائة من اقتصادنا تأكله "السوسة الحمراء"، أقصد "التستر"! ودون أدنى فورة حماس، أقول: إن التخلص من هذه "السوسة" أمر يتطلب إطلاق حملات كثيفة ومتتابعة ودون هوادة، في المدن والمراكز كافة دونما استثناء، ومنح جوائز مجزية لمَن يبلغ عن المتسترين، بهدف استعادة مهنة "متسبّب" التي مُثِّل بها، فأصبح ظاهرها سعودي السحنة أما باطنها فعبارة عن "شفاط" للفرص الصغيرة ولأرباحها.
وقبل نحو خمس سنوات كتبت عن "متسبّب متستر" اسمه جهانجير؛ يعمل موظفاً في مصرف نهاراً، وبالتزامن يمارس أربعة أو خمسة أنشطة إضافية! وقبل أسبوع، مرت عليّ قصة "شفيق"؛ وهو حالة أكثر تطوراً من "جهانجير"؛ فهو يستأجر محالّ ويؤجرها ويجلب لها عملاً وعمالاً، كأي مؤسسة متعددة الأنشطة والفروع. يحدث كل ذلك تحت غطاء التستر! ودور المالك المواطن في نشاط جهانجير؛ هو أن يقبض المعلوم لا أكثر ويوقع أوراقاً رسمية حسب طلب الشريك المستتر، كما أن "شفيق"؛ رجل حاذق، فكل المنشآت التي يتعامل معها هي منشآت غاية الصغر (مجهرية)، وهذه تتمتع بإعفاءات، منها ما يتصل بتوطين العمالة رغبة في التخفيف عن "المتسبّبين" الحقيقين من المواطنين، لكن ما يحدث ـ فيما يبدو ـ أن"شفيق"؛ بالتواطؤ مع مواطن أو أكثر "تستروا" لتضليل السلطات، فظاهر مشاريعهم صغيرة بريئة لمواطن يكد من دكان صغير. أما الحقيقة، فذلك الدكان هو بؤرة للتستر. وعليك إدراك أن "شفيق"؛ يعمل وفق مقولة "الكثير من القليل كثير"! وبهذه الاستراتيجية المحبوكة، فهو حقيقة يملك مجموعة كبيرة من المنشآت متناهية الصغر، ويدفع مقابلها فتاتاً، ويحوّل أرباحه متهرباً من دفع ضريبة الأرباح المستحقة للخزانة على المستثمرين الأجانب، وقدرها 20 في المائة، وبذلك هو يسرقنا جميعاً؛ خزانة عامة وأفراداً واقتصاداً.

إنشرها