Author

التهديد المستمر .. الديون

|
مستشار اقتصادي

صدرت الأسبوع الماضي ورقة عمل من صندوق النقد الدولي تناقش قاعدة معلومات حول الديون العالمية العامة والخاصة تهدف لتأطير ومتابعة وتصنيف متماثل منذ الخمسينيات لنحو 190 بلدا. كانت الديون سببا رئيسا للأزمة المالية العالمية في 2007 / 2008 على اختلاف أنواعها وحيثياتها، ولكن الديون زادت من ذلك الوقت باطراد الأمر الذي يزيد المخاطر على الدول الأكثر ديونا وعلى النظام العالمي. الهدف من الورقة تأطير الموضوع لكي تصبح التحاليل المقارنية أكثر دقة وموضوعية. على أثر نهاية الحرب الثانية بدأت ما يسميه بعض المختصين "الحقبة المالية الثانية" التي تميزت بالتطور المالي وانفصال الاقتراض عن القاعدة النقدية وزيادة الرافعة المالية وتنوع مصادر التمويل.
من الملاحظات أن حجم الدين وبعد عقد من إفلاس «ليمان برذرز» بلغ 164 تريليون دولار أي نحو 225 في المائة من الدخل القومي الإجمالي العالمي "هذه الأرقام تشمل الدين العام والخاص ـــ المقصود بالخاص الدين على الشركات غير المالية والأفراد"، وتشكل أمريكا والصين واليابان مجتمعة أكثر من نصف الدين وهذا أعلى من حصتها من الإنتاج العالمي. غالبا ما يكون التركيز على أمريكا واليابان، ولكن حصة الصين ارتفعت من نحو 3 في المائة في 2000 إلى 15 في المائة من الدين العالمي في نيسان (أبريل) 2018. يتوزع الدين على أمريكا 48 تريليونا، والصين 26، واليابان 18، وفرنسا 7، والدول المتقدمة الأخرى 119، والدول النامية 44، والدول المنخفضة الدخل 1. ارتفع الدين بنسبة 12 في المائة ليصل ذروة جديدة بعد ذروة 2009. أحد أشكال الظاهرة ارتفاع الدين العام في الدول المتقدمة والخاص في الدول النامية. ارتفعت ديون القطاع الخاص بثلاثة أضعاف منذ 1950 لتصل إلى 170 في المائة من الدخل القومي في 2009. ظاهرة دين القطاع الخاص في الدول النامية نسبيا جديدة إذ بدأت في الارتفاع المؤثر منذ 2005 إلى أن وصلت إلى 120 في المائة من الدخل في 2016. أخيرا 97 في المائة من الديون في أمريكا الشمالية وشرق آسيا وأوروبا. الدين ينمو بنسبة أسرع من النمو الاقتصادي الاسمي عالميا على الرغم من محاولات تقليل الرافعة المالية على أثر الأزمة.
مصدر الخطر أن الدين ثابت بينما أسعار الأصول في تذبذب ما يعرضها لنزول حاد ويرفع هامش المخاطرة وبالتالي تكلفة الدين، فعند تعرض النظام لهزة قبل عقد كاد النظام المالي أن ينهار وما تبعها من ركود اقتصادي حاد. الدين المقبول "القابل للاستدامة" هو الذي من الممكن تحمله أثناء الركود الاقتصادي، ولكن الحكومات لم تتعلم الدرس القاسي. لا يقود الدين دائما للنمو كما أثبتت تجربة اليابان. حدث بعض الإصلاحات مثل الرقابة المصرفية واختبارات الإجهاد والملاءة المالية وحتى الآلية لحماية المستهلك، ولكن هذه تتآكل تدريجيا ويجد القطاع المالي فرصا أخرى خارج النظام المصرفي لزيادة الإقراض والدين.
قد يقول قائل إن البنوك المركزية والحكومات تعاملت بدرجة من الكفاءة مع الأزمة الأخيرة ولكن لابد من الإشارة إلى أنه كلما ترتفع الديون تزيد المخاطر، وكلما تقل فرص المناورة خاصة إذا جاءت أزمة قبل تطبيع أسعار الفائدة والسيطرة على الرافعة المالية. لم تناقش الورقة بلدا معينا غير المكسيك كحالة بحثية عن تجربة التصنيف والتطور في التعامل مع الدين. لذلك لم تتحدث عن المملكة، يذكر أنه على الرغم من زيادة الدين لدينا إلا أن المملكة لا تزال قليلة الديون مقارنة بكل دول العشرين، كما أن أسعار النفط تحسنت كثيرا منذ بداية العام المالي، ولكن هذا مختلف عن ارتفاع التكاليف الثابتة وهذا موضوع لمقال آخر.

إنشرها