FINANCIAL TIMES

بيونج يانج تذكر ترمب بأن «سيف العدالة» باق في يدها

بيونج يانج تذكر ترمب بأن «سيف العدالة» باق في يدها

بعد أشهر من الابتسامات واللفتات المتعاطفة، كشرت كوريا الشمالية مرة أخرى عن أنيابها، لتلقي ظلالا من الشك على قمة تاريخية مقررة مع دونالد ترمب، وهاجمت بشكل شخصي جون بولتون، مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي.
لكن بالنسبة إلى المحللين، وجه بيونج يانج الغاضب هو دعوة جاءت في وقتها كي تتنبه واشنطن إلى أن تفكيك البرنامج النووي الذي أنشأه ذلك النظام المنعزل من المحتمل أن يكون مسعى صعب التحقيق، وعرضة لنزاع مرير، ومن المحتمل أن يكون مسعى عقيما أيضا.
التحديات لا حصر لها، وتأتي عبر عدة مراحل. أولا، يحتاج الطرفان إلى الاتفاق حول ما تنطوي عليه عملية نزع السلاح النووي، ومن ثم يجب التفاوض بشأن إبرام اتفاق يقدم لكوريا الشمالية ضمانات أمنية كافية، وأخيرا يجب إنفاذ ذلك الاتفاق - وهي عملية مستحيلة من الناحية العملية نظرا لندرة المعلومات الاستخبارية في الغرب حول برنامج بيونج يانج النووي.
وبحسب سوه كيون-يول، أستاذ الهندسة النووية في جامعة سيئول الوطنية "من المستحيل تقريبا تحقيق التفكيك الدائم". وقال متسائلا "هل تتوقعون أن يكشف زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون عن جميع التفاصيل المتعلقة بمنشآته النووية والأسلحة النووية أمام بلدان أخرى"؟ وتابع "خلافا لترمب، كيم يريد أن يلعب هذه اللعبة على المدى الطويل".
وفقا لما هو محدد الآن، من المقرر أن يعقد الزعيمان اجتماع قمة تاريخيا في سنغافورة في 12 حزيران (يونيو). ويأمل ترمب أن يسفر هذا الاجتماع - الأول بين زعيمي البلدين - عن تمهيد الطريق أمام تفكيك برنامج كوريا الشمالية النووي.
إلا أن بيونج يانج ذكرت العالم يوم الأربعاء بأنها لم تكن تريد بكل بساطة التخلي عن "سيف العدالة الثمين" مقابل الحصول على مساعدات اقتصادية - وهي فكرة ينادي بها وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو.
قال كيم كاي جوان، نائب وزير خارجية كوريا الشمالية والمفاوض المخضرم في المحادثات النووية "إن كانت الولايات المتحدة تحاول حشرنا في زاوية لإرغامنا على التخلي عن البرنامج النووي من جانب واحد، فإننا لن نعود مهتمين بإجراء مثل هذا الحوار". بدلا من ذلك، أطّر كيم المفاوضات المقررة ضمن شروط كوريا الشمالية، قائلا "إن المحادثات يجب أن تجري على أساس متكافئ ونزع السلاح في المنطقة يجب أن يطول أيضا الولايات المتحدة". وأضاف "أوضحنا في عدد من المناسبات أن الشرط المسبق لنزع السلاح النووي هو وضع حد للسياسة العدائية المعادية لكوريا الشمالية والتهديدات النووية والابتزاز من جانب الولايات المتحدة".
وتثير هذه التعليقات احتمال ربط التوصل إلى صفقة بإخراج القوات الأمريكية من كوريا الجنوبية - وهو تطور من شأنه أن يغير بشكل جذري المشهد الاستراتيجي في المنطقة.
لكن بالنسبة إلى المختصين الجانب الأكثر إرهاقا في أي اتفاق هو إنفاذه. فمع ترسانة مكونة من أكثر من 50 سلاحا ذريا، لدى كوريا الشمالية بالفعل المعرفة العلمية الكافية التي تجعل نزع السلاح النووي بطريقة لا رجعة عنها أمرا مستحيلا.
قال البروفيسور سوه "الولايات المتحدة الأمريكية تتحدث عن تفكيك البرنامج النووي على أساس دائم وقابل للتحقق وغير قابل للنقض، لكن هذا مجرد تفكير قائم على التمني ولغة طنانة من الناحية السياسية". وأضاف "من المفترض أن أكثر من عشرة آلاف مختص نووي يعيشون في كوريا الشمالية. من المستحيل محو المعرفة التي يمتلكونها".
كذلك عملية نزع السلاح النووي سيشوبها الضعف بسبب الافتقار إلى الثقة وعدم معرفة حجم المنشآت والمواد النووية الموجودة في كوريا الشمالية.
ولاحظ كيم تاي-وو، الرئيس السابق لمعهد كوريا للتوحيد الوطني أن "القضية الرئيسية هي ما إذا كانت كوريا الشمالية على استعداد للكشف أمام العالم عن منشآتها المخفية. ليست هناك حاليا أي طريقة لمعرفة موقع المنشآت المتعلقة بالأسلحة النووية تحت الأرض".
ويجهل العلماء والمسؤولون الغربيون أيضا ما تمتلكه كوريا الشمالية من اليورانيوم والبلوتونيوم عالي التخصيب.
وبحسب بونج يانج- شيك، مختص في شؤون كوريا الشمالية يعمل في جامعة يونسي، "إن كان بإمكان العلماء اختبار آثار الإشعاع في موقع الاختبار النووي، بانجي ري، فإنهم سيكونون قادرين على تقديم حسابات تبين مقدار توريد المواد لدى النظام".
لكن بيونج يانج أعلنت يوم الأحد أنها ستدمر الموقع الأسبوع المقبل. وأشاد ترمب بهذه الخطوة واصفا إياها "بأنها لفتة كريمة وذكية للغاية"، لكن البروفيسور بونج يرى أن "تفجير موقع بانجي ري يشبه السماح لكوريا الشمالية بتدمير مسرح الجريمة".
ومن المرجح أن تتطلب عملية نزع السلاح النووي إخراجه من الخدمة وتفكيك المنشأة النووية في يونجبيون، إضافة إلى منشآت التخصيب ومحطات إعادة المعالجة.
كذلك يجب تغليف المواد المشعة في كتل خرسانية والتخلص منها، ومن المحتمل أن يكون ذلك تحت الأرض. ويقدر البروفيسور سوه أن ذلك يحتاج إلى ألفي شخص يعملون على مدار الساعة لمدة ثلاث سنوات على الأقل لإنهاء عملية نزع كاملة في كوريا الشمالية. ومن المرجح أن ينطوي ذلك على وجود مراقبين ومختصين دوليين يأتون إلى كوريا الشمالية – وهو تطور ربما يجعل النظام يشعر بعدم الارتياح.
بالنسبة إلى البروفيسور بونج، درجة تعقيد وصعوبة عملية نزع السلاح بالكامل من المحتمل أن تدفع الولايات المتحدة لتحويل جهودها بدلا من ذلك إلى القضاء على التهديدات الملموسة، مثل صواريخ كوريا الشمالية بعيدة المدى، أو ترسانتها النووية الحالية. وقال "قد يكون هناك حديث حول تسليم كوريا الشمالية رؤوسها الحربية. لكن هذا لا يعني أنها استسلمت وتخلت عن كل المواد الموجودة لديها. ليست هناك أي طريقة للتحقق فعلا من عملية نزع السلاح النووي وهذا يجعل المفاوضات صعبة للغاية".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES