default Author

الخسارة خلال المفاوضات خطوة نحو فرص أكبر «1 من 2»

|

بصفته محاميا شابا يشغل منصبا في مكتب المحامي العام في الولايات المتحدة، ربح روجر فيشر مؤلف كتاب التفاوض «Getting to Yes» الأكثر مبيعا، ثماني قضايا قبل تحويلها إلى المحكمة العليا. قدم له رئيسه حينها نصيحة مفادها أنه بالرغم من رغبة الحكومة في ربح كل قضية، لكن ليس من مصلحة الدولة أن تكسب الحكومة جميع القضايا.
لماذا ينبغي لنا عدم الفوز بشكل دائم؟ في الواقع لا يوجد شخص بإمكانه الفوز على طول الخط، فلا وجود لشخص مثالي. وقد يكون الفوز وعدم الخسارة نهائيا مؤشرا على وجود خلل في قوانين اللعبة.
من الجيد الاستمرار في المحاولة لتحقيق الفوز في كل مرة، لكن يوجد فرق كبير بين المحاولة والفوز بشكل دائم. فبالرغم من تحقيق بعض اللاعبين الفوز بشكل متتال، إلا أننا من التاريخ لا يوجد شخص أو جماعة أو دولة أو مؤسسة بإمكانها الفوز للأبد. سواء كان روجر فيشر، أو روجر فيدرير، أو الإمبراطورية الرومانية، أو فريق الركبي "أول بلاك" في نيوزلندا أو حتى شركاءنا.

إدراك حالة عدم المساواة
يقوم مجتمعنا المعاصر على فكرة تتلخص في كوننا نخوض لعبة لا تقوم على المساواة لحد ما، فإذا ما واصل أحدهم الكسب، قد يكون ذلك مخالفا لمغزى اللعبة. فالشكوك المتزايدة حول الثروة وعدم مساواة الدخل التي نراها في بعض الأعمال مثل كتاب توماس بيكيتي "رأس المال في القرن الواحد والعشرين" تذكرنا بذلك.
يوجد رأي متنام بأن الأغنياء يملكون سلطة التأثير في المحامين، والأشخاص المؤثرين والمصرفيين، ويسمح لهم البنك بالتدخل في أنظمته ويهيئ لهم الظروف للربح معظم الأوقات. في حين يرى عامة الشعب أن القوانين يتم وضعها لتحد من فرصهم في الربح. باختصار، تبدو اللعبة متحيزة إلى جانب على حساب الآخر، وسواء كان ذلك للأفضل أو الأسوأ، يبدو أن تلك الأفكار تعكس الواقع. قد يختار البعض في ظل تلك الظروف التمرد على القواعد وتجاهلها، ويبررون ذلك بأنه الأسلوب الأمثل لتحقيق العدالة الاجتماعية، فالغاية تبرر الوسيلة.
عندما يتعلق الأمر بالعلاقات أو المفاوضات، في حالة فوز أحد الطرفين بشكل متواصل، سيعتبر الطرف الآخر اللعبة غير عادلة. وستبدو عملية التفاوض تمثيلية في أفضل الأحوال، ومهزلة في أسوأها.
لماذا قد يرغب الأشخاص في التفاوض معنا في ظل تلك الظروف؟ لا يرغب أحد في ذلك عادة، إلا في حال عدم توافر خيار آخر. وفي تلك الحالة سيلجأ الطرف الأضعف إلى الانسحاب في أول فرصة سانحة من تلك العلاقة غير العادلة أو المرضية. وستظهر النتائج على شكل إخلال بالوعود، خسارة الصفقة، وعديد من الأشكال الأخرى.
تناولنا هذا الموضوع في مقال نشرناه أخيرا بعنوان: "المفاوضات، عندما يكون الربح خسارة". وضحنا خلاله أن امتلاك وسائل ضغط لربح المفاوضات قد يكون بالأمر اليسير، لكنه من جهة أخرى سيؤثر في علاقتنا بالطرف الآخر، أو آلية تنفيذ الصفقة سواء من حيث الأداء أو الالتزام بالوقت المحدد، أو التسبب في دعاوى قضائية. وسنختبر في هذا المقال نقيض ذلك: هل خسارة مفاوضات معينة أمر حيوي لتحقيق الربح على المدى الطويل؟ هل يجب أن نتعلم الخسارة في الوقت المناسب لإثبات أن العلاقة بين الطرفين عادلة؟ عند الحديث عن الديمقراطية، فإن بعض العوامل المؤسسية تحدد قواعد اللعبة، أكثر من القوانين الموضوعة. ويأتي القرار الشهير للمحكمة العليا في أمريكا في القرن التاسع عشر خير مثال على ذلك.

ماربوري ضد ماديسون
تعد قضية ماربوري ضد ماديسون في 1803 نقطة بارزة في التاريخ القضائي للولايات المتحدة كونها سابقة من نوعها في حالات الفصل بين السلطات. جاءت الحادثة خلال الفترة الانتقالية للرئاسة بين الرئيس الفيديرالي جون آدامز والديمقراطي الجمهوري توماس جيفري. حيث سارع آدامز إلى تعيين عدد من القضاة الموالين في المحاكم التي أنشأها حديثا، الذين أطلق عليهم اسم "قضاة الليل" كون آدامز كان مشغولا إلى حد كبير آنذاك، ليصدر قرارات التعيين قبل انتهاء الفترة الرئاسية ببضع ساعات. وكان من ضمنهم شخص ناجح يدعى وليام ماربوري.
عندما تسلم الرئيس (جيفرسون) مهام منصبه، أمر الوزير (ماديسون) بصرف النظر عن تعيين بعض القضاة الذين لم تصدر بحقهم أوامر التعيين بعد، ومن ضمنهم ماربوري، الذي لم يكن قد تسلم حينها أوراق تعيينه. فلجأ ماربوري إلى المحكمة العليا في الولايات المتحدة للضغط على ماديسون لتسليمه الأوراق... يتبع.

إنشرها