FINANCIAL TIMES

ناريندرا مودي .. منبوذ سابق يكتسب مكانة عالمية

ناريندرا مودي .. منبوذ سابق يكتسب مكانة عالمية

أصبح الاتجاه العالمي نحو قيادة الرجل القوي راسخا إلى حد كبير الآن. فهو يمتد من الشرق إلى الغرب، ومن البلدان الديمقراطية إلى الأوتوقراطية. الشخصيات الرئيسية هي تشي جينبينج في الصين، ودونالد ترمب في الولايات المتحدة، وفلاديمير بوتين في روسيا - مع احتلال كل من رجب طيب أردوغان في تركيا ورودريجو دوتيرته في الفلبين مراتب أصغر في هذه التشكيلة غير الجذابة.
لكن هل ينتمي رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي إلى هذه المجموعة؟ إجابة هذا السؤال أمر في غاية الأهمية. فالهند التي وصل عدد سكانها إلى أكثر من 1.3 مليار نسمة، ربما تكون على وشك تجاوز الصين من حيث كونها أكثر بلاد العالم سكانا. وهي الآن ثالث أكبر اقتصاد في العالم، بحسب القوة الشرائية، واقتصادها آخذ في النمو بنسبة تزيد على 7 في المائة سنويا. جيمس كرابتري يكتب في "الملياردير راج"، الذي سيصدر قريبا: "في الوقت الذي تتعثر فيه الديمقراطية في الغرب، فإن مستقبلها في الهند لم يكن أكثر أهمية مما هو عليه الآن".
تتزايد أهمية الهند بسبب الحقيقة التي مفادها أن مكانة مودي في الطيف الأوتوقراطي - الديمقراطي غامضة. رئيس وزراء الهند رجل إصلاحي اقتصادي جاد يحظى بلمسة شعبية حقيقية. وأسلوبه ليس بلطجيا مثل أسلوب كل من بوتين أو أردوغان، وليس جامحا مثلما هو أسلوب ترمب أو دوتيرته. كما أنه عرضة أيضا لضوابط وموازين أكبر بكثير من تلك التي يخضع لها تشي.
مع ذلك، الحوارات التي أجريتها الأسبوع الماضي في الهند ذكرتني بمناقشات مماثلة كنت قد أجريتها خلال العام الماضي في الولايات المتحدة والصين وتركيا. كان هناك القلق نفسه بين الليبراليين حول الأخطار التي تهدد حرية الصحافة واستقلالية القضاء. وكانت هناك أيضا مخاوف مألوفة بأن زعيم البلاد يستقطب المجتمع عمدا من أجل بث الحماس في قاعدته السياسية.
ربما تكون المقارنات بين مودي وترمب هي الأكثر دلالة. كلا القائدين يعمل في بلد راسخ ديمقراطيا، وكلاهما تولى زمام السلطة بعد حملة كان فيها بطل الأغلبية الصامتة - وضد النخب الفاسدة وما يُدَّعى أنها أقليات مدللة. ويرتبط كلاهما بخطاب سياسي متطرف بصورة متزايدة، عبر التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي. وكلاهما يستخدم الهوية السياسية لحشد الدعم والتأييد. وكلاهما حدد المسلمين على أنهم "المجموعة الخارجية" التي يمكنه شن حملة ضدها.
هذا يمثل لعبا بالنار في الهند، موطن ما يقارب 180 مليون مسلم - أكبر أقلية في أي بلد في العالم. الحزب السياسي الذي ينتمي إليه مودي، بهاراتيا جاناتا، غالبا ما يوصف بأنه "هندوسي قومي". لا يوجد أي مسلم بين أعضاء الحزب البالغ عددهم 282 عضوا الذين أصبحوا أعضاء في البرلمان بعد الانتخابات الأخيرة. ويبدو أن كل أسبوع يجلب معه بعض التوترات الجديدة المثيرة للجدل التي تسبب القلاقل الطائفية في المجتمع.
في إحدى الحالات المروعة التي حصلت أخيرا، تم اغتصاب وقتل طفلة مسلمة تبلغ من العمر ثماني سنوات من قبل عصابة شمالي الهند. شارك بعض القادة المحليين في حزب بهاراتيا جاناتا في مظاهرات ومسيرات دعما للقتلة المتهمين الذين كانوا من الهندوس. مع ذلك، تباطأ مودي في التحدث في هذا الموضوع. القضية دفعت 49 من كبار موظفي الخدمة المدنية المتقاعدين إلى أن يبعثوا برسالة مفتوحة إلى رئيس الوزراء، يتهمونه فيها بإثارة "مناخ مخيف من الكراهية والخوف والحقد في الهند"، مضيفين أنه في "الهند ما بعد الاستقلال، هذه هي أحلك الأوقات بالنسبة لنا".
هذا النوع من الإدانة العلنية الموجهة لرئيس الوزراء يتطلب بعض الشجاعة. تجري ملاحقة منتقدي مودي عبر وسائل التواصل الاجتماعي ويمكن أن يتعرضوا لضغوط رسمية مشددة. رئيس الوزراء نفسه حريص بشأن ما يقوله علنا. لكن أحد الصحافيين في دلهي يقول "مودي لا يقول الكلام الأسوأ. كل ما يفعله هو التقاط صور سيلفي مع الذين يقولونه".
مع ذلك، لدى المدافعين عن مودي حجة قوية أيضا يمكنهم تقديمها. فهم يقولون ستكون هناك حتما بعض القصص المروعة في بلد يعيش فيه أكثر من مليار شخص. والمخاوف من انتشار العنف على الصعيد الوطني التي رافقت فترة تولي مودي منصبه في عام 2014، لم تتأكد. في الواقع، شهدت الهند أمثلة أسوأ بكثير من العنف الطائفي في الحقبة التي سبقت تولي مودي منصبه، مثل أعمال الشغب المناهضة للسيخ وعمليات القتل في عام 1984.
يقول حلفاء مودي إن جدول أعماله الحقيقي يتعلق بالتنمية والاقتصاد، وليس بالقضايا الثقافية. وكان الدافع لدى كثير من مؤيديه في أوساط مجتمع الأعمال هو سمعة رئيس الوزراء كرجل إصلاحي اقتصادي فاعل حين كان رئيسا للوزراء في ولاية جوجارات.
على الصعيد الوطني كان أداء مودي متباينا. فبعض الإجراءات، مثل "سحب العملة من التداول" في عام 2016 - الإلغاء السريع لـ 86 في المائة من الأوراق النقدية في البلاد لمكافحة الاقتصاد الخفي - ربما كان ضررها أكبر من نفعها. لكن إصلاحاته الأخرى - مثل فرض ضريبة على الصعيد الوطني على السلع والخدمات - ستعمل على تحسين آفاق الهند الاقتصادية طويلة الأجل. الضريبة المذكورة ذات تعقيد بالغ. ومع ذلك كانت مفيدة في الإطاحة بالحواجز أمام التجارة بين الولايات الهندية، ووسعت من القاعدة الضريبية في البلاد.
العوامل التي تجمع بين النمو الاقتصادي القوي، والشعبية الشخصية لمودي، والسلم الاجتماعي النسبي، تساعد في تلميع سمعة رئيس الوزراء على نحو يعمل على تحويله من شخص شبه منبوذ، كان في السابق ممنوعا من دخول الولايات المتحدة على خلفية ادعاءات بالعنف المجتمعي (ضد المسلمين) في جوجارات، إلى شخصية محترمة على المستوى الدولي.
في حال حقق مودي انتصارا ثانيا في الانتخابات العامة في عام 2019، فإن هذا من شأنه أن يوطد مكانته باعتباره واحدا من الشخصيات السياسية الرائدة في العالم. لكنه لن يضع حدا لمشاعر القلق حول مشروعه السياسي. كما تبين من حالتي بوتين وأردوغان، فإن الزعماء الأقوياء لديهم ميل لأن يصبحوا باستمرار أكثر أوتوقراطية كلما طالت فترة بقائهم في المنصب.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES