FINANCIAL TIMES

لا تقلق .. كنت جاهلا مثلك عندما تخرجت من الجامعة

لا تقلق .. كنت جاهلا مثلك عندما تخرجت من الجامعة

خلال عامي الأخير في الجامعة شعرت بالذعر. أدركت أنني على وشك أن يتم إرسالي إلى العالم في وقت أكاد أكون فيه جاهلا تماماً. "إلى المعلقين، يرجى وضع نكاتكم هنا". كنت قد استوعبت إلى حد ما بعض الأجزاء الصغيرة من التاريخ الغربي وقرأت، ثم نسيت في الغالب بعض الروايات والقصائد الألمانية. لم أكن أعرف شيئًا عن العلوم. لم تكن لدي أدنى فكرة عن الكيفية التي كان يعمل بها العالم. حتى إني لم أكن متأكدًا تمامًا ما أسعار الفائدة.
قبل أن أتخرج بوقت قصير، اعترفت بمخاوفي لشخص في الثلاثينات من العمر ومن ذوي الأداء العالي في حفل عشاء في لندن. حينها قال "لا تقلق. لم أكن أعرف شيئًا حين تخرجت أيضًا، لذا ظللت أتعلم فقط. الآن يدفع صاحب العمل لي مقابل دراسة اللغة العربية". وفي ذلك المساء نفسه عقدت العزم على أن أتابع مشروعًا للتعلم مدى الحياة. بعد مرور 25 عامًا، ما زلت جاهلاً، لكني ما زلت أتعلم.
ولأني تخرجت في بريطانيا، فقد فاتتني مراسم حفلة التخرج الأمريكية التقليدية، حيث يتألق شاب في منتصف العمر وهو يردد العبارة المألوفة "يمكنك أن تكون ما تريد أن تكونه". بدلاً من ذلك تحدث شخص في منتصف العمر بطريقة مملة للغاية باللاتينية لمدة ساعة. لكن إذا كانت أي جامعة أمريكية لا تزال تبحث عن متحدث ممل في منتصف العمر لحفل تخريج هذا الموسم، فإليكم ما سأقول للخريجين:
بعد التخرج قررت معرفة ما أسعار الفائدة، لذلك بدأت في قراءة صحيفة لم أفتحها من قبل: "فاينانشيال تايمز". واصلت على ذلك، على أمل أن أتعلم في نهاية المطاف الشيء الذي أردت أن أعرفه كثيرا: لماذا كان بعض الناس والبلدان أغنياء والآخرون فقراء. في عام 1994، في محاولة لتعجيل عملية التعلم، انضممت إلى "فاينانشيال تايمز". ظننت أنه بعد بضع سنوات، سأعلم ما يكفي لأفعل شيئًا أكثر فائدة من الصحافة، لكن ذلك لم يحدث قط.
مثلما كنتُ في ذلك الوقت، أنتم تتخرجون في جهل تام تقريبا. هذا ليس خطأكم. كانت سنوات التعليم الخصبة لديكم من لا شيء إلى ثلاث سنوات، عندما كان دماغك مساميًا إلى حد ما، لكن الفرصة كانت تضيع على الأرجح. ثم قضيتم كل يوم دراسي وأنتم محاطون بما يصل إلى 30 شخصًا آخر، كل واحد منهم يعاني مشكلاته وله قدرات مختلفة. منذ المدرسة الثانوية، كنتم معوقين بشكل إضافي بسبب الهرمونات والهواتف الذكية والبدايات في الصباح الباكر.
إذا كنتم تتخرجون من تخصص مهني أو فني، فإن كل ما تعلمتموه سيكون قد عفا عليه الزمن في الوقت الذي أتحدث فيه. ثم إنكم لن تتعلموا أكثر من ذلك بكثير إذا دخلتم "العالم الحقيقي" للأعمال، لأن الأعمال ليست هي العالم الحقيقي. مثل أي نشاط آخر هي مجرد جزء منه. في أحسن الأحوال، يمكنكم تحسين مهارات الاتصال لديكم مع الناس وتعلم بعض المعارف المقيدة بالزمان والمكان، مثل كيفية تسويق المنصات في الولايات المتحدة في الوقت الحالي.
باختصار، يتعين عليكم مواصلة التعلم طوال حياتكم. وفيما يلي بعض النصائح:
* فقط اسكت واستمع. مهما كنتَ ترى بينك وبين نفسك، "أنا أعرف ذلك"، فأنت لا تعرف. عندما تسمع نفسك تقول شيئًا قلته من قبل، فلا تهتم بالأمر. عندما يخبرك شخص جدير بالاهتمام بشيء عن كوريا الشمالية، لا تجلس هناك منتظراً حتى تتمكن من المقاطعة بمعلومة واحدة صغيرة تعرفها عن كوريا الشمالية. الحكايات التي تدربتَ عليها سابقا ستبقيك إنسانا جاهلا.
* تجنب أيضا الكلام عن أسعار المساكن، والتحدث عن الطرق، والحديث عن الحمية، والحديث عرضا عن شخصيات مشهورة التقيتها، والكليشيهات حول الشؤون الجارية. على مدى العمر، يمكن لهذا أن يوفر عليك سنوات.
* استمع بأقصى قدر من الانتباه لأشخاص أصغر منك سنا. هم جهلاء ولديهم وظائف منخفضة بشكل عام، لكن ما لديهم من معرفة قليلة سيكون أكثر حداثة من معرفتك. إذا كنت تضحك على نفسك وتعتقد أن معرفتك ستبقى جيدة مع مرور الوقت، فاستمع إلى أقاربك المسنين وهم يتحدثون عن النظريات العرقية التي أخذوها في الأربعينيات.
* إذا كنت أذكى شخص في هذا المكان، فأنت في المكان الخطأ.
* إذا كانت لديك نظرية تشرح كل شيء، تخلص منها. وكما قالت الاقتصادية، إستر دوفلو، لزميلي جون جابر عن المنظرين "إذا كنتُ قادرة على أن أتوقع ما ستفكر فيه حول أي مشكلة إلى حد كبير، فمن المحتمل أنك ستكون مخطئًا في كثير من الأمور".
* عندما تلتقي شخصا يحب إلقاء المواعظ، يمكنك التقاط الجزء الصغير من الخبرة الموجودة لديه، هذا إن كانت لديه أي خبرة. ربما لن تجري مطلقًا محادثة مثمرة معه، ولن تكون قد تعلمتَ كثيرا من الأشخاص الآخرين، لذا يفضل تجنبه.
* عندما تكتشف أنك كنت مخطئًا بشأن شيء ما، فلا تحاربه. قدّر هذه اللحظة: لقد تعلمت شيئًا منها.
* لا تدع النزاعات تعوق حياتك العملية. التغييرات المتكررة في حياتك المهنية ستمنعك من زيادة كفاءتك في مجال معين. إذا اضطررت إلى العمل مع شخص مزعج، تعامل مع هذا الأمر. وإذا وجدت أن كثيرا من الناس مزعجون، فالمشكلة تكمن فيك.
* حتى لو أصبحت مختصا، فستظل جاهلا إلى حد لا بأس به. ما لا يعرفه المختصون عن أي موضوع دائما ما يكون أكثر مما يعرفونه.
* من الواضح أنه لا يمكنك أن تكون ما تريده. الحيلة تكمن في العمل على ما ينبغي أن تكون عليه".
في العام الماضي، في حفل عشاء في لندن، ظهر شخص من ذوي الأداء العالي في الخمسينات من العمر وسأل "هل تتذكرني"؟ بالطبع أتذكره. لم أكن قد رأيته منذ 25 عاما، لكنه كان ذلك الشخص في الثلاثينات من العمر الذي قدم لي فكرة التعلم مدى الحياة. علمني أكثر من الجامعة.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES