Author

الشركات العائلية .. الميثاق وطريق الحوكمة

|
أصدرت وزارة التجارة والاستثمار، الميثاق الاسترشادي للشركات العائلية السعودية، وذلك على أساس أن هذا الميثاق الاسترشادي يمثل مرتكزا للحوكمة الجيدة في الشركات العائلية، كما يعزز فرص بقاء الشركات العائلية خاصة بعد الجيل الثاني. فالشركات العائلية، خاصة في الاقتصاد السعودي، تمثل الخلية الأساس في بناء الشركات والمؤسسات، ومن الصعب أن تجد شركة خاصة لم تكن بنيتها الأساس شركة عائلية حتى لو أصبحت أسهم هذه الشركات متداولة في سوق الأسهم، ولفهم الميثاق الاسترشادي وتمييزه بشكل واضح عن نظام الشركة أو نظام الشركات السعودي، لا بد من فهم الحوكمة ابتداء، ذلك أنه يراد من هذا الميثاق أن يكون قاعدة من قواعدها. فالحوكمة هي القواعد التي تحكم القرار في أي مؤسسة لضمان النتائج المستهدفة، وأن هذه النتائج تحقق المنفعة المنشودة لأصحاب المصلحة الرئيسين. وهكذا فإن الميثاق يجب أن يصف النتائج بدقة، وأنها تحقيق منفعة لأصحاب المصلحة، وأن أصحاب المصلحة الرئيسين قادرون على الوصول إلى المعلومات التي تمكنهم من اتخاذ قراراتهم الاستراتيجية. وفي هذا الإطار، نقرأ في الميثاق أنه يهدف إلى تعظيم قيمة الشركة، وتنمية أعمالها، وفق إطار مؤسسي يدعم إمكانية توسعها، وزيادة فرص نجاحها، وصون سمعة الشركة ومكانتها التجارية، باعتبارها إرثا للعائلة وأجيالها المقبلة. وفي موضع آخر، يشدد الميثاق على بيان سياسة توزيع الأرباح فيها، ورسم آليات لتصرف المساهم في الأسهم وتخارج المساهمين منها. وبهذه العبارات فإن الميثاق يضع النتائج المستهدفة الاسترشادية، ويتبنى هذه النتائج نيابة عن أصحاب المصلحة الرئيسين، ذلك أن الشركات العائلية مهمة للاقتصاد الوطني، ويجب أن ترتكز نتائج أعمالها على تعظيم القيمة والنمو المستدام، وأيضا ضمان تدفقات مستمرة من الأرباح. وهذه الأخيرة جاءت في عبارات أكثر وضوحا بوقف تجنيب احتياطي الشركة النظامي متى بلغ 30 في المائة من رأسمال الشركة المدفوع، وتقرير توزيع ما جاوز هذه النسبة على مساهميها في السنوات المالية التي لا تحقق الشركة فيها أرباحا صافية. ذلك أن تحقيق النتائج (توزيع الأرباح هنا) هو أهم عنصر يحقق منفعة لأصحاب المصلحة، وما دامت الشركة تعمل على تحقيق ذلك وتنميته، فإن احتمالات البقاء والاستدامة واردة. الميثاق يمنح أفراد العائلة من غير الإدارة التنفيذية ضمانات وصول تدفقات مستمرة من الأرباح، وعدم سيطرة مجلس الإدارة أو الجهاز التنفيذي على القرار بهذا الشأن. من العناصر المهمة التي تؤكدها قواعد الحوكمة تحقيق توازن في المصالح، وعدم حدوث تحيز عند اتخاذ القرار، خاصة في غياب أعضاء من العائلة، لذلك نص الميثاق على توعية أعضاء العائلة بحقوقهم والتزاماتهم، وإقامة توازن بين مصالح أعضاء العائلة ومصالح الشركة، وتدعيم ترابط أعضاء العائلة بما يحقق لها التطور والنجاح، وتعزيز قيم العائلة التجارية، وتحقيق أهداف الشركات وتنمية أعمالها. ولتحقيق هذا الغرض المهم جدا، أكد الميثاق ضرورة إنشاء جمعية عامة تختص بجميع شؤون الشركة، وتعيين أعضاء مجلس الإدارة وعزلهم، ومراقبة تصرفات أعضاء المجلس ومصالحهم في الأعمال والعقود التي تتم لحساب الشركة. وللحقيقة، فإن إنشاء هذه الجمعيات العامة في الشركات العائلية سيكون نقطة تحول رئيسة في حوكمة الشركات العائلية، لكن من المهم زيادة الوعي بهذا الشأن، وأن تمارس الغرف التجارية دورها في تنمية مهارات الشركات العائلية في هذا الجانب؛ إذ إن الحوكمة هنا تحيا أو تموت. الرقابة والشفافية ركنان في الحوكمة، ولا معنى لميثاق استرشادي لها لا يحقق هذه الجوانب، وقد جاء الميثاق مليئا بالعبارات التي تؤكد هذا الجانب، خاصة تلك التي شددت على دور الجمعية العامة في فحص أي ضرر ينشأ عن مخالفة أعضاء مجلس الإدارة أحكام نظام الشركات أو إساءتهم تدبير أمور الشركة، كما أتت الإشارات واضحة بشأن تشكيل لجنة المراجعة، والموافقة على القوائم المالية للشركة، وتقرير مجلس الإدارة، وتعيين مراجعي حسابات الشركة، وتحديد مكافآتهم، وإعادة تعيينهم وتغييرهم، والموافقة على تقاريرهم. ولأن الحوكمة أساسا قواعد وإجراءات تضمن أن القرار الذي يتخذ في الشركة يصب في النتائج التي يتوخاها أصحاب المصلحة، ولأن العائلة ركيزة أصحاب المصلحة، لهذا فقد جاء الميثاق بتأسيس مجلس يسمى "مجلس العائلة"، ذلك أن مشكلة الشركات العائلية هي في القرارات التي يتخذها أفراد من العائلة من خارج مجلس الإدارة تمس هيكل الملكية فيها، بمعنى آخر فإن وزارة التجارة تدرك أن معظم الخلافات التي تنهي حياة الشركات العائلية هي خلافات في الإرث أو بين أبناء العمومة، وكأن قراراتهم الشخصية التي تتعلق بملكيتهم وليس القرارات التي تتعلق بنشاط الشركة هي التي تؤثر في بقائها. لهذا جاء مجلس العائلة للإشراف على القرار خارج إطار المؤسسة، وهو يتألف من عدد من الأعضاء تنتخبهم العائلة من بين أعضائها بطريقة الاقتراع السري في اجتماع خاص لها يعقد لهذا الغرض، ولا يجوز لعضو مجلس العائلة الجمع بين عضويتها في المجلس وعضوية مجلس الإدارة أو الفريق التنفيذي للشركة، ولا يجوز الجمع بين منصب رئيس مجلس الإدارة وأي منصب تنفيذي في الشركة، وتكون مدة دورة مجلس العائلة ثلاث سنوات، ولا يجوز لعضو العائلة شغل عضوية المجلس أكثر من دورتين متتاليتين. في هذه العبارات، تظهر بجلاء مفاهيم الحوكمة التي تتعلق بالاستقلال، وهنا تظهر قيمة مشروع الميثاق.
إنشرها