Author

شركات أوروبا المرعوبة .. والوهم الإيراني

|

لا توجد جهة يمكنها أن تحمي إيران من العقوبات الأمريكية إلا إيران نفسها. لا الاتحاد الأوروبي ولا روسيا ولا الصين. والنظام الإرهابي في إيران لا شك أنه يعرف هذه الحقيقة، لكنه لا يزال يراهن على الوهم من خلال اتصالات ومشاورات مع الأوروبيين على وجه الخصوص، فضلا عن موسكو. لكن النتيجة واحدة. هذه القوى التي يتوجه إليها نظام علي خامنئي، لم تتمكن حتى من تأجيل قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الانسحاب من الاتفاق النووي المشوه والمشبوه، ولا من تلطيف القرار نفسه، بما في ذلك المحاولات التي بذلتها باريس ولندن وبرلين من أجل إضافة بعض التعديلات عليه. طهران تتوجه الآن إلى أطراف ربما تمتلك قرارها الخاص، لكنه ليس قرارا ذا قيمة مقارنة بالقرار الأمريكي.
أهم ما يريده النظام الإيراني الآن، ألا تضربه العقوبات بصورة خطيرة، خصوصا بعد أن تلقى بالفعل رسائل رسمية من شركات ومؤسسات أوروبية، تتضمن توقف هذه الجهات عن أي مخططات للانطلاق في إيران، بل إن بعض المشاريع التي أطلقت بعد رفع العقوبات قبل ثلاث سنوات تقريبا توقفت بالفعل، لأسباب عديدة، في مقدمتها بالطبع الخوف المروع من القوانين الأمريكية نفسها، التي لا ترحم مؤسسة ولا شركة بصرف النظر عن جنسياتها. يضاف إلى ذلك، أن الشركات المعنية تواجه مشكلات في التحويلات المالية في الوقت الراهن، وستواجه توقف هذه التحويلات بالتأكيد في أعقاب إقرار العقوبات الأمريكية الجديدة في وقت لاحق من هذا العام. فالحصار الاقتصادي الأمريكي يشمل أساسا المؤسسات المالية والمصارف.
الشركات الأوروبية مرعوبة الآن أكثر من أي وقت مضى، خصوصا بعد أن شهدت فشل حكوماتها في توفير الحماية اللازمة للاتفاق النووي مع إيران. فالعقوبات الأمريكية المنتظرة تتضمن تقييد وصول شركة ما إلى النظام المالي الأمريكي، وأسواق المال، والمشتريات الحكومية، وتمويل الائتمان. وهذا يعني أن الشركات الأوروبية الخائفة ستخسر كثيرا إذا ما واصلت أو أطلقت التعاون مع إيران. والمشكلة هنا لا تكمن في القانون الأمريكي، بل في التداخل المروع للمؤسسات الإيرانية مع جهات إرهابية تابعة مباشرة لعلي خامنئي. وهذا الأخير يسيطر "كما هو معروف" على أكثر من نصف الاقتصاد الإيراني، ناهيك عن الأموال التي يديرها وقدرتها بعض الجهات الدولية بما بين 90 و100 مليار دولار.
لا شك أن تهافت أوروبا على الاتفاق النووي المشبوه يأتي من خوفها على الصفقات التي يمكن لشركاتها أن تعقدها مع النظام الإيراني. وخصوصا الشركات الفرنسية والألمانية. وكان هذا التهافت واضحا من خلال تحرك القيادات السياسية في كل من باريس وبرلين على الساحة الأمريكية لحماية الاتفاق المذكور بأي ثمن أو حجة أو حتى بالأكاذيب. لم تهتم العواصم الرئيسة الأوروبية - لندن، باريس، برلين - كثيرا بالجرائم التي يرتكبها النظام الإرهابي في إيران ضد شعبه وشعوب المنطقة، ولم تلق بالا على الأدلة التي أظهرت بوضوح تمويل هذا النظام للإرهاب، بما يهدد الأمن والسلم العالميين. تريد فقط أن يتواصل التزام الجميع باتفاق مليء بالثغرات الخطيرة، بما في ذلك طبعا نشاط النظام الخفي للحصول على السلاح النووي.
الأمور تغيرت الآن، وحتى لو كان هناك اتفاق نووي جديد، سيكون بالشروط الأمريكية، لا بالأفكار الأوروبية. أوروبا أثبتت للمرة الألف أنها لم تعد عجوزا شمطاء فقط، بل صارت عاجزة حقا على الساحة الدولية.

إنشرها