Author

الحكم بإلغاء القرار الإداري .. «التنمية العقارية» مثالا

|

تقوم المملكة في نظامها القضائي على فكرة القضاء المزدوج، ونعني بالقضاء المزدوج هنا هو أن القضاء في المملكة موزع بين نوعين رئيسين، وهما القضاء العام والقضاء الإداري. فالقضاء الإداري برئاسة ديوان المظالم يعنى بالقضايا والمسائل التي تكون الدولة طرفا فيها، فتنظر في قضايا العقود الإدارية التي تبرم بين الدولة بصفتها جهة إدارة وبين غيرها، وتفحص القرارات الإدارية التي تصدر عن الجهات الإدارية. هذه المقالة مستفيدة من رأي عضو مجلس الشورى الدكتور أيوب الجربوع بخصوص قرار صندوق التنمية العقارية والمشار إليه في حساب مجلس الشورى في "تويتر".
كما يذكر فقهاء القانون أن الأصل في التقاضي مبني على ما يسمى النسبية، أي أنه عندما يصدر حكم بين متخاصمين، فإن هذا الحكم يسري ويكون حجة على أطرافه فقط. أحد الاستثناءات من هذا المبدأ أو الفكرة هو دعاوى أو أحكام إلغاء القرار الإداري، الذي يعد حجة مطلقة على الكافة، أو في مواجهة الكافة، بمعنى أنه إذا صدر حكم المحكمة بإلغاء القرار الإداري، فإن هذا القرار يكون كأن لم يكن وعلى كل مسؤول عن تنفيذه من الجهات الإدارية أو القضائية الالتزام بمقتضى حكم المحكمة ويمكن لكل شخص أن يحتج بهذا الحكم على عدم صحة تطبيق القرار عليه.
لن أخوض في تشعبات القضاء الإداري أو النظريات الفقهية في ذلك، لكن سأسعى لعرض المسألة بشيء من البساطة والمنطقية.
فعندما يصدر قرار من الجهة الإدارية ثم يتظلم من هذا القرار متظلم، وبعد النظر فيها من المحاكم الإدارية وصدور حكم بإلغاء هذا القرار الإداري من قبل المحكمة الإدارية بدرجتيها الابتدائية والاستئنافية واكتساب الحكم القطعية، هذا الحكم يعني أن القرار الإداري قد ألغي وانتهى أثره كأن لم يكن كما لو كان بناء وتم هدمه. فعندما يقوم متظلم آخر بالتظلم أمام المحاكم الإدارية من القرار الإداري الملغى نفسه، فإنه لا معنى من النظر في قرار قد ألغي من قبل المحكمة الإدارية، فالقرار الإداري تم إلغاؤه كاملا بغض النظر عن عدد المشمولين به، وهذا يعني أنه عند صدور الحكم بإلغاء القرار الإداري ولو بسبب تظلم شخص واحد، فأثر إلغاء الحكم ينبغي أن يسري على كل المشمولين به، وهذا ما يسميه فقهاء القضاء الإداري بأن الحكم بالإلغاء حجة في مواجهة الكافة. وعند النظر في صياغة المادة "32" من نظام المرافعات أمام ديوان المظالم، التي تنص أن "الأحكام الصادرة بالإلغاء حجة على الكافة"، والتي قد توهم في صياغتها لكنها عامة في حجيتها، سواء في مواجهة الجهة الإدارية صاحبة القرار الإداري أو غيرها من الجهات ذات العلاقة أو في مواجهة المحاكم الأخرى التنفيذية أو الإدارية أو في مواجهة الأطراف العاديين ذوي العلاقة. وقد يكون سبب الإشكال صياغة المادة نفسها.
هذا يقودني إلى الإشارة لثلاث مسائل، وهي:
أولا: إن النظر في قضايا طلب إلغاء للقرار الإداري الملغى نفسه بحكم سابق فيه إرهاق للقضاء الإداري مع أن النتيجة ينبغي أن تكون واحدة، وفي حالة صدور أي حكم لاحق بصحة القرار، فإن هذا قد ينتج عنه اضطراب كبير في الأحكام الصادرة.
ثانيا: إن مبدأ حجية أحكام الإلغاء يعزز فكرة القضايا الجماعية، التي تبنتها أولا هيئة السوق المالية.
ثالثا: إن هذا المبدأ سيسهم في دعم المبادئ القضائية وفي دعم وضوح أحكام القضاء الإداري واستقرارها وتهيئتها لتكون نماذج يحتذى بها.

إنشرها