Author

الصراعات .. الأسباب والمحفزات

|

المشهد العالمي ليس في أحسن حالاته، بل هو في أشدها سوءا وقتامة في كثير من أنحاء العالم، فأينما التفت الإنسان يجد الحروب، والخلافات، ذات الأسباب المتعددة، فخلاف على الحدود الذي جاء نتيجة ألاعيب الاستعمار الذي وضع هذه المفخخات، كي يضمن لنفسه ديمومة التحرك، والتدخل، لحل الخلافات بين المختلفين، إن لم يكن المتحاربين كما يزعم، بينما في الحقيقة يذكي النار ويزيدها أوارا، كما أن الخلافات ذات الطبيعة العرقية لها نصيبها في كثير من دول العالم مع أن الحكومات تسعى جاهدة لحلها بالطرق القانونية، وأحيانا هي من يفتعلها، ومع ذلك تطل هذه الخلافات برأسها بين الفينة والأخرى، وتأخذ صورا حادة تصل لحد الاقتتال بين المكونات الاجتماعية، كما حدث لعقود في العراق بين الأكراد والعرب وكما يحدث في تركيا، وكذا سورية، والطرف الرئيس فيها الأكراد، برغبة الانفصال، وتأسيس دولة خاصة بهم.
الصراعات الدينية والمذهبية لها نصيبها على الخريطة العالمية، فما حدث في البوسنة والهرسك بين الصرب الأرثوذكس وبين المسلمين، يمثل صورة بشعة لهذا النوع من الأسباب الذي راح ضحيته الآلاف من الأبرياء، وانتهكت فيه الأعراض، ودمرت المساجد والممتلكات، واختل السلم الاجتماعي، حتى تحولت الدولة إلى مكونات متنازعة متصارعة لا تعرف إلا لغة السلاح. الصراع الديني لا يزال يتحرك، وقد يهدأ لفترة، ثم لا يلبث أن يعود مرة أخرى، فمسلمو الروهينجا تعرضوا لحرب إبادة بشعة في القرن الـ 20 شرد بسببها كثير منهم، وقد هدأ الصراع لفترة، ثم ما لبث أن عاد مرة أخرى، حيث يتعرضون منذ ست سنوات لأبشع عملية تطهير ديني يقوم به البوذيون، ما ترتب عليه قتل كثير، وتشريد مئات الآلاف وحرق البيوت والمساجد، واختفاء قرى بكاملها.
مسلمو إفريقيا الوسطى، المستعمرة الفرنسية السابقة، هم ضحية حرب دينية يشنها عليهم المتطرفون المسيحيون بصورة بشعة تكشف أحقادا دفينة، كانت في حالة كمون، حتى برزت إلى السطح وترتب عليها القتل، والتشريد، والتنكر لشركاء الوطن، بدعم مباشر أو غير مباشر من المستعمر السابق الذي يظهر نفسه وسيطا نزيها يسعى لإرضاء الجميع، وحل الخلافات، بينما هو في حقيقة الأمر من يشعل فتيل الأزمة.
الخلافات المذهبية، بل الصراعات ليست جديدة، فالحروب بين البروتستانت والكاثوليك استمرت لقرون، وما حدث لعقود في إيرلندا، يمثل أكبر شاهد على أن أساسا وبنية نفسية لهما دورهما فيما يحدث بين الدول، أو المكونات الاجتماعية يتم استغلالها من أطراف خارجية، أو داخلية ذات مصالح، وما شهده العراق، ولا يزال من قتل على الهوية المذهبية ما هو إلا مثال واضح على استغلال المشاعر، والعواطف باختلاق الأسباب التاريخية، وإعادة تذكير الناس بها لتكون منطلق الشرارة التي يلتف حولها الناس، وبها تستثار حميتهم، حتى وصل الأمر بالمكون الشيعي لتشكيل ما يسمى الحشد الشعبي في إشارة واضحة إلى الانقسام المجتمعي، حيث أسهمت الثورة الإيرانية بشعارات تصدير الثورة والأخذ بثأر الحسين في إيقاظ الفتنة المذهبية.
ترى لماذا هذه الحروب والصراعات؟ لا يمكن اختزال الأسباب في سبب واحد، وإنما الأسباب متداخلة، معقدة، ربما يظهر للناس سبب، لكن السبب، أو الأسباب الحقيقية مجهولة، فالسبب الديني والمذهبي يمثل سببا رئيسا يتم إثارته وشحذه باستدعاء، وتذكير الناس بأحداث حقيقية، أو مختلقة، كهزيمة حدثت لمنتسبي أحد الأديان في معركة من المعارك يلزم أخذ الثأر لها، ولذا يتم توظيف الحدث والنص الديني لإقناع عامة الناس بذلك، أو لإعطاء الجنود جرعة معنوية تزيد من حماسهم باعتبار الحرب التي يخوضونها حربا مقدسة، وما تصريح نوري المالكي بأن المعركة بين أنصار الحسين وأنصار يزيد، إلا مثال ترتب عليه ما حدث من انقسام واحتراب اجتماعي، إعلامي، ومنبري، وميداني، لم يكن ليحدث لولا الشعارات التي أطلقتها إيران بعد الثورة، كشعار تصدير الثورة، مع ما صاحبه من تهييج، وتلاعب نفسي، وتغيير في الاتجاهات مبني على معارك مختلقة، ومغلوطة، ومحرفة. كما أن مباركة الكنيسة الأرثوذكسية الروسية للحرب على الشعب السوري مثال قوي على تبرير الحرب، والضخ بالدافع والمحفز لها.
حماية المصالح القومية لوطن من الأوطان يمثل مرتكزا رئيسا للصراعات، فحروب أمريكا في كوريا، وفي فيتنام، وفي أمريكا الجنوبية، وفي أفغانستان، والعراق، كلها جاءت تحت لافتة المصالح القومية وحفظ الأمن القومي الأمريكي.
تجارة السلاح، وتحقيق المكاسب الاقتصادية، ووضع اليد على الموارد الطبيعية، ومعالجة البطالة في وطن، قد تكون أسبابا مشروعة من وجهة نظر سياسي ذلك الوطن، كما يحدث من تدخلات في إفريقيا، حيث اليورانيوم والألماس والمعادن الثمينة الأخرى، أو كما يحدث في منطقتنا، حيث البترول، وما يشاهد في ليبيا، وسورية من اختلاط الأوراق أقوى دليل. ما من شك أن المشاعر المتراكمة عبر القرون تجاه عرق، أو دين أو مذهب تمثل الأساس، وكذلك الجشع والطمع في التملك وحيازة القوة تمثل الأساس النفسي القوي لتحريك الخلافات والصراعات والحروب متى افتقدت الحكمة وسادت الحماقة.

إنشرها