ثقافة وفنون

كيف يمكن للأفلام السعودية أن تعالج التطرف؟

كيف يمكن للأفلام السعودية أن تعالج التطرف؟

بعد أن حُلت عقدة وجود دور عرض سينمائي في المملكة، اتجهت مطالب المثقفين والمهتمين بالسينما إلى صناعة محتوى سعودي يعالج القضايا المجتمعية، وأفلام تحاكي الواقع وهموم الوطن، وتسلط الضوء على قضايا التطرف، وأبطال السلك الأمني الذين يبذلون الغالي والنفيس لإحباط المخططات الإرهابية. فكيف يمكن لهذه الأفلام أن تعالج التطرف؟

تبديد الصورة الذهنية

دعا مثقفون صناع السينما داخل المملكة إلى الخوض في مجال إنتاج الأفلام السينمائية الطويلة، وإشراك مشاهير الفن السعودي فيها، بعد سنوات من اغتراب السينما خارج الحدود، وتركيزها على إنتاج الأفلام النخبوية القصيرة.
يأتي ذلك من خلال منصات وسائل التواصل الاجتماعي التي شهدت خلال الأيام الماضية نقاشاً حول ضرورة وجود أفلام سعودية تعرض على شاشات دور العرض السينمائي، تجسد موضوعات وقصصا واقعية بعيدة عن المحتوى التقليدي والترفيهي، تسهم في إبراز الصورة الحقيقية والمشرقة للمواطن والمجتمع السعودي، وتبدد كل الصور الذهنية الخاطئة التي انتشرت طوال السنوات الماضية من منظور بعض الأفلام العربية وحتى العالمية.
تأتي مطالب المثقفين من منطلق أن السينما أكثر الفنون تأثيراً وأسرعها انتشاراً، فالأعمال السينمائية متقنة الصنع تصل إلى قلوب وعقول الجماهير بشكل أسرع، خصوصاً إن كانت تجمع بين الرسالة غير المباشرة ذات الحبكة السينمائية والأسلوب الممتع، وهو ما أكده الفنان المصري أحمد حلمي، من خلال منتدى شباب العالم الذي عقد نهاية العام الماضي، وقال فيه "إن السينما تلعب دوراً كبيراً في صنع شباب يحارب الإرهاب"، معتبراً إياها "الوسيلة الصائبة" لمحاربة التطرف.

البُعد عن التلقين

في قراءة لتجارب الدول المجاورة، ومن بينها التجربة المصرية، كونها التجربة العربية الأكثر نضجاً وانتشاراً وجماهيرية، وقعت بعض الأفلام التي تتناول ظاهرة التطرف والإرهاب ضحية "التلقين"، لينصرف عنها الجمهور ويُمنى المنتجون بخسائر مالية عالية بدلاً من تحقيق إيرادات كبيرة والتأثير في عواطف وسلوكيات المشاهدين. ويُعرف التلقين في أعراف السينما بتسطيح الفكرة أو طرحها بشكل مباشر، ليبدو فيها الممثل كأنه يقرأ مقالاً عن المشكلة، بشكل فج وغير مستساغ للمشاهد.
في حين يطلب من المؤلفين وصناع السيناريو معالجة القضية بشكل عميق، وتناول جذورها الحقيقية، ووحشيتها، ومنابعها الفكرية والأيديولوجية بأسلوب فني إبداعي، يجذب فئة الشباب، الأكثر تأثراً بهذه الظواهر الخطيرة.

ليس نخبوياً

يرى البعض أن الأفلام التي تناقش التطرف، أنها نخبوية، إلا أن هذه النوعية من الأفلام بخلاف ذلك تماماً، إذ تعد مجالاً خصباً لمناقشة الأفكار بصورة مشوقة على طريقة "الأكشن" على سبيل المثال، فيما تتنوع حقولها، إذ يمكن أن تتناول مشكلات فكرية بشكل مبسط، لكنها في طابعها تكشف عن أفكار المتطرفين والإرهابيين، وتكشف عن الفكر التنويري، وقيم التسامح والإنسانية، والتعايش بين المذاهب والأديان، وقيم الحوار وتقبل الرأي الآخر، وتعزيز روح الانتماء ومعاني البطولة وحب الوطن، وتحارب التعصب والعنصرية والطائفية.
وقد حققت أفلام عالمية يدور فلكها حول التطرف إيرادات جيدة، فضلاً عن الآثار الإيجابية التي لا تقاس أو تثمّن، إذ جعلت هذه النوعية من الأفكار منبوذة في المجتمع، ولقيت اهتماماً استثنائيا كونها مشكلة رئيسية يعانيها العالم أجمع.
أما فيما يتعلق بمدى تعرض الأطفال لهذه النوعية من الأفلام، فإن الأفلام السينمائية التي تتطرق إلى موضوعات الإرهاب تؤثر فيهم، كمثيلاتها من الأفلام الدرامية، قياساً على تأثرهم بشخصيات الخير والشر في مسلسلات الرسوم المتحركة والأفلام الكرتونية، مثل المسلسل الياباني المدبلج المحقق كونان، والأبطال العالميين مثل سوبرمان وباتمان.

التجربة المصرية

من الأمثلة العربية للأفلام الناجحة سينمائياً وجماهيرياً في تجسيد الوجه البشع للإرهاب فيلم "دم الغزال"، من إنتاج عام 2006م، من بطولة الفنان الراحل نور الشريف، وتأليف وحيد حامد وإخراج محمد ياسين، ويكشف الفيلم في أحداثه عن انضمام أحد سكان العشوائيات لإحدى الجماعات الإرهابية، لتكون درعاً له، حيث يتخذ من الدين غطاءً لأعماله المتطرفة، مثل حرق المنشآت، والهجوم على أقسام الشرطة، وقتل الأبرياء، حيث يقدم الفيلم التشدد الديني، وأسبابه كالجهل والبطالة والفقر واستغلال حاجة البسطاء للتغرير بهم، وتنفيذ أجندات خاصة تحت مظلة الدين.
ومن آخر الأفلام وأكثرها تميزاً فيلم "الخلية"، للمؤلف صلاح الجهيني، وإخراج طارق العريان، وبطولة الفنانين أحمد عز، سامر المصري من سورية، أمينة خليل ومحمد ممدوح، ويتناول الفيلم حياة ضابط في القوات الخاصة يقارع المتطرفين ويطارد مجموعة من الإرهابيين ينتمون إلى تنظيم "داعش" الإرهابي، الذي يسعى إلى تنفيذ عمليات إرهابية داخل مصر.
والقائمة في هذا المجال تطول، ولعل العمليات العسكرية الأخيرة التي ينفذها الجيش المصري في سيناء ضد متطرفين جعلت هذه الأفلام تحظى بنسبة مشاهدة عالية، وتركز محتوى نحو نصف أفلام موسم الصيف الماضي على ظواهر الإرهاب، سواءً في أسلوب درامي، أو أكشن، أو حتى كوميدياً، مثل فيلم "دعدوش"، الذي عُرض في صالات السينما المصرية خلال عيد الأضحى الماضي.

إجراءات ميسرة

من أجل إنتاج أفلام سعودية ناجحة في معالجتها للتطرف، يبحث سينمائيون عن إجراءات واضحة وسهلة لتمكينهم من إخراج هذه النوعية من الأفلام، حيث لا تزال إجراءات التصوير واستخدام السيارات الأمنية والعسكرية أمراً بالغ الصعوبة، في حين يطمح الشباب السعودي في أن تخدم كاميراتهم الوطن، وتجسد كافة تفاصيله، وتقدم الصورة الحقيقية لتضحيات أبنائه في الحد الجنوبي، وكذلك أبنائه في كافة الجبهات والمواقع، مهما اختلفت الأدوار وطبيعة المهام المناطة بكل منهم. ويستشهد صناع السينما بالتجربة الأمريكية، التي نجحت في تغيير الصورة النمطية عن المواطن الأمريكي، وجعلت من شخصيته مثالية مثيرة للإعجاب، وقد أسست لذلك لجاناً وهيئات ونقابات مختلفة لتقديم الدعم للسينما، ما خدم مئات الأفلام السينمائية.
ومن أوجه هذا الدعم تقديم آليات ومعدات عسكرية وأمنية تحت إشراف الجهات المعنية من أجل الصورة السينمائية المتكاملة، وتوفير أماكن وبيئات مشابهة للبيئة الأمنية الحقيقية، والاستفادة من الخبرات الأمنية في التعرف على آخر الأساليب الإجرامية والإرهابية، والاستعانة بمنسوبي سلك الشرطة لتقديم تجاربهم وهمومهم ومشكلاتهم، ما ينعكس على جودة العمل ودقته، ويجعله أكثر إقناعاً للمشاهد الأمريكي، والمشاهدين حول العالم.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون