Author

تمنيات أوروبية يائسة لـ «نووي» سيئ

|
كاتب اقتصادي [email protected]

"أوروبا ستقوم بكل ما يلزم لإبقاء إيران في الاتفاق النووي"
أنجيلا ميركل ـــ مستشارة ألمانيا

النظام الإرهابي في إيران لا يزال يفكر في طبيعة الرد على انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي معها. وزراء خارجية كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا، يجتمعون اليوم (الثلاثاء) مع نظيرهم الإيراني جواد ظريف في بروكسل، لتناول آفاق المرحلة بعد الخطوة الأمريكية. العقوبات الأمريكية على إيران تحضر الآن كي تفرض في الموعد المحدد لها. واشنطن لا تلقي بالا لما يجري بشأن الاتفاق على الساحة الأوروبية، وأطلقت تحذيرات مبدئية لكل من تسول له نفسه التعاون غير المدروس مستقبلا مع نظام علي خامنئي. الرئيس الأمريكي ترمب لديه ما هو أهم من مناقشة أوهام الأوروبيين، وتحديدا الثلاثة الكبار، حول اتفاق مشوه منذ البداية، اتفاق مع إيران بصورة عكست المخاطر الحقيقية له على الساحتين الإقليمية والدولية.
هذا هو باختصار المشهد العام بعد انسحاب الولايات المتحدة من هذا الاتفاق. ولا تبدو أي مؤشرات إيجابية (حتى الآن على الأقل) للاتصالات التي تجريها طهران مع كل من لندن وباريس وبرلين. الطرفان دخلا مرحلة التمنيات. في الواقع دخلت أوروبا كلها هذه المرحلة حتى قبل النظام الإيراني، وحاولت على مدى أشهر أن تنقذ الاتفاق بكل ما تملك من أدوات. لكن المشكلة هنا، أنها لا تمتلك أدوات ذات قيمة أمام الموقف الأمريكي الواضح منذ ما قبل وصول ترمب إلى البيت الأبيض. استخدمت أقصى ما لديها، وكانت النتيجة أن قام الرئيس الأمريكي بما كانت تخشى منه. بل انسحب بصورة مهينة للعواصم الثلاث الغارقة في التمنيات. وبالطبع لم تنفع زيارتا زعيمي فرنسا وألمانيا الأخيرتان لواشنطن.
كيف يمكن لأوروبا أن تنجو من قرار ترمب؟ الجواب ببساطة ليس أمامها أي مخرج بهذا الخصوص. والأهم من هذا، أنها استنزفت كل المخارج في الدفاع عن اتفاق فيه من الثغرات أكثر مما فيه من التوافقات، وفيه من الأوهام أكثر مما فيه من الحقيقة، وفيه من الارتجال أكثر مما فيه من التخطيط السليم المتأني. أوروبا الآن تعيش مرحلة ما بعد إلغاء الاتفاق من الجانب الأمريكي، وعليها أن تعرف أن رؤيتها القاصرة حيال نظام إرهابي طائفي خطير، باتت محل سخرية من واشنطن، خصوصا مع وجود مسؤولين في إدارة ترمب يتطابقون معه في الرؤى ليس حول الاتفاق فحسب، بل فيما يخص مستقبل النظام الإيراني نفسه. هذه الإدارة مؤمنة بضرورة تهيئة الأجواء لإزالة النظام المذكور على أيدي شعبه الذي كان أول من عانى جرائمه وخرابه.
أعين الولايات المتحدة ليس فقط على الحكومات الأوروبية "الحليفة"، بل أيضا على الشركات الأوروبية كلها. فهذه الأخيرة تتحين الفرص من أجل أن تتعمق أكثر في التعاون مع إيران في مختلف الميادين. واشنطن أكدت في غير مناسبة، أنها لن تتهاون في أي تعاون يتم بين شركات أوروبية وأخرى إيرانية، لسبب واحد فقط، هو أن نظام الإرهاب الذي يقوده علي خامنئي يسيطر في الواقع على أكثر من نصف الاقتصاد "الوطني"، ويدير أعمال تصل قيمتها إلى 100 مليار دولار، ولا بد أن يتداخل نشاط أي شركة أجنبية مع النشاط الإرهابي للنظام. حدث هذا حتى في عهد الرئيس السابق أوباما الذي كان واهما بإنجاز تاريخي (عبر الاتفاق المشوه). ها هو الآن يمزق في البيت الأبيض.
لا مجال لأي تعديلات حول الاتفاق المذكور، ما يجعل المساعي الحالية للعواصم الأوروبية الرئيسة بلا معنى. ولا قيمة بالطبع لأي تهديدات كلامية استعراضية إيرانية. سمعناها قبل أيام عندما ضربت إسرائيل عشرات القواعد الإيرانية في سورية. هذه التهديدات لم تعد (منذ سنوات طويلة) صالحة حتى عند أولئك الذين يؤيدون النظام الإيراني نفسه. كشف نفسه منذ عقود من جراء استراتيجيته المعادية للمنطقة والعالم. وهي استراتيجية يحاسب عليها القانون الدولي لأنها تستند إلى طائفية دنيئة لا يقبلها العالم بأي صيغة كانت اليوم. ترمب وأركان إدارته قالوها بوضوح، لا تعديلات لأن زمنها انتهى في الواقع. بعد الانسحاب لا شيء يمكن أن يجمل اتفاقا مشوها. وعلى الأوروبيين أن يعترفوا بهذه الحقيقة، وأن يكونوا أقرب لحليفهم بصرف النظر عن الخلافات في الرؤى معه.
اتفاق جديد؟ ربما تقبل به الإدارة الأمريكية لاحقا، ولكن بالشروط التي لا تقبل لأحد أن يفاوض عليها. شروط تضمن للعالم بقاء نظام الإرهاب الإيراني في حدود ضيقة، لا يقوى أن يهدد ويخرب في هذه المنطقة، وتلك شروط (إن طرحت بالفعل) تصب في مصلحة الشعب الإيراني أولا، الذي يذوق مرارة وذل العيش منذ وصول نظام الملالي إلى السلطة اغتصابا. هذا الشعب لم يستفد بأي شيء من جراء رفع العقوبات عن بلاده قبل ثلاث سنوات تقريبا، الذي حدث أن عوائد رفع العقوبات ذهبت لتمويل الإرهاب، ودعم أنظمة إجرامية مارقة (كنظام الأسد)، ورعاية الحوثيين الخونة لوطنهم. إنها مرحلة جديدة أنهت بجرة قلم ما حلم به الأوروبيون وتمنوه، ورمت بوهم أوباما في أقرب حاوية.

إنشرها