Author

ضربات متلاحقة لاقتصاد إيران

|

يخشى النظام الإرهابي في إيران على الأموال التي وفرها له الاتفاق النووي المشوه، وهي أموال هائلة بحق، ولا سيما تلك التي كانت مجمدة وسمح باراك أوباما بالإفراج عنها. الأزمنة تغيرت الآن في أعقاب انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق لم يوفر أي قيمة حقيقية إلا لنظام الملالي. فهذا النظام أسرع في تطوير أسلحته الباليستية وغيرها، ورفع من وتيرة تمويل الإرهاب على مختلف الأصعدة، ودعم الأنظمة المارقة "مثل الأسد في سورية" وعصابات الخونة "مثل الحوثيين في اليمن"، ناهيك عن عصاباته في لبنان والعراق وعدد من بلدان الخليج العربي نفسها. كل هذه النشاطات التخريبية العدوانية الطائفية الدنيئة مولت من الأموال الناجمة عن رفع العقوبات، ولم يستفد منها الشعب الإيراني كما ظهر بوضوح من خلال الانتفاضات المتكررة ضد نظام علي خامنئي.
المهم الآن، بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الانسحاب من الاتفاق، وإعادة العمل بالعقوبات على إيران، تجد طهران نفسها أكثر من عارية ماليا، خصوصا مع تفاقم الوضع الاقتصادي المحلي، على شكل انهيار هائل جديد للعملة الوطنية، وارتفاع التضخم، وزيادة نسبة المواطنين الذين انزلقوا تحت خط الفقر، وكذلك الأمر بالنسبة لأولئك الذين باتوا يعيشون في الكهوف. كل هذا وأعداد العاطلين عن العمل تتكدس، بل إن مؤسسات حكومية باتت تتأخر في تسديد الرواتب لموظفيها من شح السيولة. كان نظام الملالي يراهن على مزيد من الوقت في أعقاب رفع العقوبات عنه، رغم أنه فضل تمويل الخراب الخارجي "بعد الداخلي"، إلا أن القرار الأمريكي قلب الطاولة على رأس علي خامنئي.
اليوم "بعد القرار الأمريكي"، الشركات الغربية "ولا سيما الأوروبية" تخشى الاستمرار في التعاون مع إيران وإطلاق المشاريع فيها، خوفا من الغضب الأمريكي، بما في ذلك المصارف التي تعد الشريان المالي الرئيس للبلاد. فالشركات متعددة الجنسيات التي بدأت في إطلاق بعض المشاريع المتواضعة، تفكر الآن في كيفية الخروج من إيران، أما الشركات التي كانت تسن أسنانها لدخول السوق الإيرانية، فقد أوقفت أي مخططات في هذا الخصوص حتى تتضح الصورة. الذي حدث أن ذلك أضاف ضغوطا هائلة على الاقتصاد المحلي، خصوصا فيما يتعلق بالمشاريع الكبيرة، وتلك التي تستهدف إصلاحات ضرورية هنا وهناك من أجل مواصلة عمل أكثر إنتاجية. علما بأن التهديدات الأمريكية أكثر من واضحة في هذا الصدد.
أما لماذا هي واضحة، فلأن الشركات الإيرانية متداخلة بصورة لا حدود لها مع مؤسسات الإرهاب التي يديرها النظام، وعلى رأسها ما يسمى "الحرس الثوري" الممول الرئيس للإرهاب في المنطقة والعالم. ناهيك طبعا عن الشركات التي تعود ملكيتها كاملة للنظام نفسه، إلا أنها تعمل بأسماء مختلفة، ما يجعل التحرك الأمريكي ضد أي شركة قويا وحاسما ومؤلما. الشركات متعددة الجنسيات ومعها المصارف الكبرى، اختبرت في الواقع الغرامات الأمريكية في السابق، ودفعت مئات المليارات من الدولارات لتعاونها مع الجهات الإيرانية. كل هذا ينقل الاقتصاد الإيراني إلى مرحلة أسوأ من قبلها. وعلينا أن نتذكر فقط كيف انهارت العملة الوطنية بعد دقائق من إعلان ترمب الانسحاب من الاتفاق النووي المشؤوم.
لن تجرؤ الشركات الأوروبية في المرحلة المقبلة على التعاون مع إيران، حتى لو كان ذلك مباحا من جانب حكوماتها. فهي تعلم أن المواجهة التجارية مع الولايات المتحدة ستكون قاصمة، وهي لا تستطيع أن تصل إلى مرحلة المواجهة. ضربة الاقتصاد الإيراني ليست واحدة، ستكون هناك ضربات أخرى متلاحقة وقريبة.

إنشرها