Author

صناديق الريت والحاجة إلى الضمانات

|
عضو اللجنة المالية والاقتصادية ـ مجلس الشورى

لا أخفي قلقي من صناديق الريت العقارية، وقبل أن أوضح مصدر قلقي أعيد لكم قصة انهيار السوق العقارية الأمريكية، التي جاءت بسبب تحولات عميقة في مفهوم العقار من أصل غير منقول إلى ورقة مالية، ببساطة ظهرت مشكلة السوق العقارية في الولايات المتحدة من توسع المصارف في الرهن العقاري، على أساس قدرة المقترض على دفع أقساط الرهن في الوقت نفسه كل شهر وبالقدرة نفسها، وهذا منح المصارف سيلا من التدفقات النقدية المضمونة "أو هكذا كان يعتقد"، الأمر الذي شجع المصارف على إصدار سندات في مقابل تلك الرهون؛ أي أن العقار المرهون أنتج ورقة مالية، وكان يعتقد أن هذه الورقة قادرة على أن تعكس في الأسعار قيمة العقارات وعوائدها "على أساس مفهوم كفاءة السوق"، لكن ثبت فيما بعد أن ذلك لم يكن بالضرورة صحيحا، ولم تكن الأسعار انعكاسا للعائد من أقساط الرهون. والمشكلة التي ظهرت فيما بعد أن الأسعار ارتفعت في العقار، وكذلك ارتفعت قيمة الصكوك التي تمثلها في السوق المالية، لكن أحدا لم ينتبه إلى أن العائد على الرهن "أي قدرة المقترضين على سداد الأقساط" كانت قد تأثرت بشكل كبير، وأصبحت إلى حد بعيد غير متوافقة مع الأسعار، كانت تلك الأوراق المالية "السندات المرتبطة برهون ضعيفة" تسمى الأوراق أو الأصول المسمومة، كان الجميع يشعر بها، لكن لم يكن أحد قادرا على التصرف بشأنها، حتى انكشفت الأسواق وانهارت دفعة واحدة.
صناديق الريت صناديق استثمارية عقارية متاحة للجمهور، يتم تداول وحداتها؛ "أي أسهمها"، في السوق المالية السعودية، وتهدف إلى تسهيل الاستثمار في قطاع العقارات المطورة والجاهزة للاستخدام، التي تدر دخلا دوريا وتأجيريا. هكذا ورد التعريف في موقع السوق المالية، لكن الحقيقة أنها محاولة جادة لإخراج السوق العقارية من عنق الزجاجة، الذي انحشرت فيه بفعل مضاربات غير محسوبة وغير مراقبة. إذن، هي صناديق تعتمد على تجميع الأموال من المستثمرين لشراء عقارات ذات عائد تأجيري، فهي تعتمد على عائد يكون على شكل أقساط أو دفعات منتظمة، تماما مثلما حدث في الرهون العقارية. بما أن هذه الصناديق أصبحت متداولة، فإنه قد تم إنتاج أوراق مالية من هذه العقارات تماما كما حدث في السوق العقارية الأمريكية، وهذه الأوراق متداولة في السوق، وتخضع للعرض والطلب؛ أي أنها ستخضع لتقلبات مزاج المضاربين وليس بالضرورة نسبة العائد، ولن تستطيع هيئة السوق المالية مهما امتلكت من أدوات أن تضمن عدم ارتفاع أسعار هذه الأوراق إلى مستويات لا تعكس مكررات الربح الفعلية، وهذه مخاطرة لا شك فيها.
الأمر الآخر - وكما سمعته في أكثر من مجلس وأكثر من شخص، وأنا متأكد أن كل مستثمر في عقار معلق قد سمع به - هو أن هناك من يسعى بكل جهد إلى ضم كثير من العقارات إلى صناديق الاستثمار هذه حتى لو كانت هذه العقارات مجرد مبان متهالكة في حارات ضيقة، المهم أنها تحقق عوائد موثقة في عقود، وهنا الفخ الذي أحذر منه، لا يوجد نظام صارم بشأن نوعية العقارات التي تدخل في الصندوق، ونوعية العقود، ولا توجد ضمانات كافية وتأمين ضد التوقف عن دفع الإيجار أو الدفعات التي يحققها العقار، ولهذا ـــ وأنا به زعيم ـــ ستصل إلى هذه الصناديق عقارات مسمومة؛ أي عقارات لها عقود إيجار، لكن لا أحد يضمن توقف المستأجرين عن السداد. من في السوق المالية سيعرف أن الأسهم التي اشتراها في صندوق عقاري تمثل عقارات ليس عليها عائد حقيقي، والأخطر هو من سيهتم أصلا، طالما سيتمكن من بيعها على أي حال، فالأرباح الرأسمالية ستعوض الخسائر في العوائد على كل حال.
وضعت هيئة السوق المالية شروطا للصناديق العقارية وهي العائد المشروط؛ حيث لا تقل الأرباح الموزعة على ملاك الوحدات عن 90 في المائة سنويا من صافي أرباح الصندوق، وإذا كانت هيئة السوق المالية تظن أن هذا الشرط سيحمي السوق فقد أخطأت بلا شك عندي. وإذا كانت تظن أن الشفافية العالية تعني شيئا، فقد كانت شفافية السوق الأمريكية أكبر، ومع ذلك لم ترحمها ولم تشفع لها، لذلك لا أخفي قلقي اليوم.

إنشرها