Author

القطاع المالي .. فرص نوعية بالكوم

|
لا يستطيع أحد إنكار تفوق القطاع المالي محليا وقدرته في العقود الأخيرة على استيعاب السعوديين، وتشذيب مهاراتهم وقدراتهم بتفوق واضح على القطاعات الأخرى. وأحد الأسباب يتعلق بقوة وطبيعة القطاع المصرفي تحديدا، وآخر يعود إلى سياسة مؤسسة النقد في التعامل مع المواهب المحلية وجهودها التي لا تنكر في التدريب والتأهيل والدفع في اتجاه توطين المهارات. ولكن اليوم، تتحول هذه الفرصة لتصبح أفضل تنظيما، وأكثر اتساعا، وتتنوع بشكل لم يسبق له مثيل. اليوم هناك أكثر من جهة تتمركز لتطوير القطاع المالي، وهناك متغيرات كثيرة في السياقين العالمي والمحلي تتزامن مع بحث السعوديين عن وسائل دعم الاقتصاد الوطني وتنويع مصادر الدخل. على الرغم من أن القطاع المالي في الأساس هو قطاع "دعم" للاقتصاد وبنية تحتية للحركة الإنتاجية، إلا أني أراه إحدى أقوى الصناعات التي تقبل التركيز وتستحق بذلك استفراد الجهد، خصوصا ما يمكن تحويله إلى أعمال قابلة للتصدير، مثل الاستشارات والتخطيط المالي وأعمال الالتزام المالي، ناهيك عن منصات الاستثمار والتمويل بجميع أشكالها، لدينا - والحمد لله - كثير من المقومات لقيادة المنطقة في هذه التطبيقات والممارسات. فرصة تطوير القطاع المالي مرتبطة بالمواءمة بين الإمكانات والفراغات التي يمكن لبرنامج مقنن وواضح محدد المعالم والهوية أن يعمل عليها، وهذا ما يهتم به برنامج تطوير القطاع المالي الذي تم إطلاقه قبل أيام. يقوم برنامج تطوير القطاع المالي على ثلاث ركائز استراتيجية تعنى بالمؤسسات والسوق والسلوكيات المالية، وهذه الركائز تقوم على قائمة من الأهداف التي تكتمل بمبادرات تعتمد على عنصرين لا غنى عنهما، مهارة بشرية ونظام محكم تديره هذه المهارة البشرية. وسواء تحدثنا عن تنوع المنتجات المالية، أو تطوير قطاع التأمين، أو انتقلنا إلى تنفيذ المنصات المرنة والمتقدمة، أو حاولنا تغيير السلوك وتحفيزه، نجد أننا بحاجة إلى من يقوم بنقل المعرفة ومن يقيسها وينتجها، ونحتاج في كل الأوقات والأماكن إلى الممارسين المهرة الذين يتكاملون مهنيا، ويندمجون مع الفرص الموجودة في محيطهم بشكل جيد. وهذا يعني شبابا متحمسا عالي المهارة قادرا على تطوير نفسه بشكل فعلي والعمل في بيئة سريعة النمو، ويملك كذلك قدرة على استيعاب المتغيرات والتأثير بشكل إيجابي فيمن حوله، سواء كانوا أشخاصا أم أشياء. بدأت الخبرات المالية أساسا بالتركز حول الصرافة والتحويلات، وتحولت تدريجيا إلى التسويق التمويلي، ثم نمت بشكل إيجابي في اتجاه المحاسبة والالتزام، واليوم نجدها تتوسع بشكل شجري في اتجاهات عديدة، تغطي كل القدرات التي يحتاجها القطاع. على رأس الخبرات الجديدة التي يتم بناؤها اليوم ما يرتبط بالادخار وبرامجه، والتأمين وأنشطته، والتقنيات وحلولها. لهذا، نجد اليوم أن قائمة التخصصات المطلوبة متسعة ومتنوعة، ولا تقتصر فقط على برامج المحاسبة والمالية والاقتصاد. من الهندسة والرياضيات حتى التقنية والأعمال الاجتماعية، جميعها مسارات مهمة في رحلة الذهاب نحو تطوير القطاع المالي. يمكننا القول، إن تطوير القطاع المالي اليوم يقوم على توسيع القاعدة نفسها، التي تقوم عليها الأنشطة المصرفية لتشمل أشياء أخرى مختلفة ومهمة. تطوير القطاع المالي اليوم يختلف عما حدث في السابق. كانت بعض الأعمال المصرفية تتم مع النخب وأخرى تحصل لتسيير الرواتب، بينما اليوم يتحدث برنامج تطوير القطاع المالي عن الشمول المالي، أي الوصول إلى فئات جديدة لم تحصل على بعض الخدمات المالية من قبل، أو تحصل عليها بشكل أكثر فاعلية، وهذا يعني مزيجا مختلفا من المهارات لدى القائمين على هذه الخدمات، فمن كان يتعامل مع الشركات الكبرى والدوائر الحكومية فقط، سيتعامل اليوم مع منشآت صغيرة وفئات جديدة من الأفراد، تستفيد من الخدمات الإلكترونية، وتستخدم حلولا متقدمة نسبيا لما كان يقدم لها سابقا. في السابق، كان تقديم الحد الأدنى الواجب نظاما من الخدمات المالية كافيا لتحقيق أهداف المؤسسات المالية، بينما اليوم يجب على المنشآت المالية ــــ حتى الجهات الحكومية ـــ أن تقوم بقياس رضا العملاء، وتحليل إحصاءات التفاعل، وتوقع المخاطر والسلوكيات، وهذا يعني إدارة فاعلة سباقة، تستعد للحدث قبل حدوثه، بل تصنع الحدث، وهذا غير ممكن إلا في وجود الكفاءات الفنية متعددة المهارات. أعتقد أن التمكن من ثلاثي المهارات المهنية: "الشخصية، الفنية المالية، الفنية التقنية"، سيسمح لأي شاب باختراق منافذ القطاع المالي، ليتمكن من دعمه، ويستفيد في الوقت نفسه من نموه وفرصه الممتازة.
إنشرها