Author

تطوير القطاع المالي .. استراتيجية للمؤسسات

|
القطاع المالي مرتكز أساس لتحقيق "رؤية المملكة 2030"، بل هو مرتكز استقرار الاقتصاد ككل في أي مرحلة وأي استراتيجية. الاقتصاد الحديث يعتمد على منظومة كاملة من المؤسسات المالية. أولى هذه المؤسسات وأهمها هي المصارف، فهي المصب الأساس للتدفقات النقدية للاقتصاد، وثانية هذه المؤسسات هي قطاع التأمين، وثالث هذه المؤسسات هي السوق المالية. لكن القطاع المالي ليس مجرد مؤسسات، بل هناك أدوات مالية أهمها على الإطلاق النقد، ثم الحسابات المصرفية، ثم الأسهم، ثم الصكوك، ثم بوليصات التأمين. هناك عدد آخر من الأدوات، مثل الشيكات والكمبيالات، والاعتمادات المستندية، والرهون إذا جاز اعتبارها أداة. أخيرا اعتمد مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية "برنامج تطوير القطاع المالي 2020"، كأحد برامج تحقيق "رؤية السعودية 2030"، وبالطبع سيكون التطوير شاملا لجميع القضايا التي أشرنا إليها أعلاه، سواء كانت مؤسسات أم أدوات، وذلك في ثلاث ركائز، تشتمل على 17 مبادرة لتمكين المؤسسات المالية من دعم نمو القطاع المالي و14 مبادرة لتطوير سوق مالية متقدمة. ولأن تطوير القطاع المالي ركيزة للاقتصاد ككل، فلا عجب إذا عرفنا أن هذا البرنامج سيسهم في دعم تحقيق 19 هدفا من الأهداف الاستراتيجية لـ "رؤية المملكة 2030"، أهداف لا تكون مرتبطة بشكل مباشر بالقطاع المالي، لكنها لن تتحقق ما لم يتم تطوير القطاع، لعل أبرزها على الإطلاق هو برنامج التخصيص، الذي ستكون آثاره واسعة في السوق المالية وفي المصارف وفي الفرد. في جانب تطوير المؤسسات المالية، جاءت الركيزة الأولى "تمكين المؤسسات المالية من دعم نمو القطاع الخاص" بمبادرة الترخيص لجهات فاعلة جديدة من مقدمي الخدمات المالية، وكذلك تشجيع قطاع التأمين للنظر في خيارات الاندماج والاستحواذ، ما يسهم في تعميق قطاع التأمين وزيادة كفاءته. ويطمح البرنامج من كل ذلك إلى زيادة إجمالي حجم الأصول المالية في المملكة لتكون بنسبة 201 في المائة إلى الناتج المحلي الإجمالي "6.3 تريليون ريال"، وفي المسار نفسه يأتي تطوير تشريعات السوق المالية في الركيزة الثانية "تطوير سوق مالية متقدمة". وهذه المبادرات التي تهتم بتطوير مؤسسات القطاع مهمة جدا لجميع مبادرات البرنامج التي ستلي، إذ لا يمكن تحقيق نمو كبير وتحقيق طموحات "رؤية المملكة 2030" ومبادرات البرنامج، إلا إذا نجحنا في توسيع مؤسسات القطاع المالي وتحسين التشريعات وبشكل طموح. على أنه من المهم الانتباه إلى أن الحوكمة الاقتصادية للقطاع لم تزل في حاجة إلى مزيد من الجهد. في جانب أدوات القطاع، مثل النقد، فإن المرتكزات الثلاثة أولتها أهمية كبيرة جدا، ففي جانب النقد مثلا، تسعى المبادرات إلى التوجه نحو تحفيز الدفع عن طريق التقنية بدلا من النقد، وهذا تحد كبير لثقافة الإنفاق في المملكة، فالمبادرة تسعى إلى رفع حصة المعاملات غير النقدية من إجمالي المعاملات إلى 28 في المائة مقارنة بمستواها في 2016 البالغ 18 في المائة. في جانب أيضا هناك ركيزة "تعزيز وتمكين التخطيط المالي"، وفيها أمران في غاية الأهمية، هما زيادة عدد من لديهم حسابات مصرفية من البالغين من 74 إلى 80 في المائة، وتعزيز الادخار وتشجيع المصارف على طرح منتجات ادخارية، ما يرفع نسبة ادخار الأسر من إجمالي الدخل إلى 10 في المائة، وهذا بدوره يعزز هدف زيادة إجمالي حجم الأصول المالية في المملكة لتكون بنسبة 201 في المالية إلى الناتج المحلي الإجمالي. وتعد الأسهم والصكوك من أهم الأدوات كما أشرنا، ولهذا جاءت المبادرات برفع حصة سوق الأسهم وسوق أدوات الدين في القطاع المالي إلى 45 في المائة "2.68 تريليون ريال" مقارنة بمستواها في 2016 البالغ 41 في المائة "1.9 تريليون ريال"، كما سيتم العمل على زيادة عمق السوق من خلال زيادة فرص الاكتتابات، وأدوات الدين، وهنا سيكون العبء على الحكومة لتحقيق هذا الهدف أكثر من العبء الذي يمكن إلقاؤه على القطاع الخاص، أو المالي، ذلك أن الهدف المرسوم هو تعزيز فرص التخصيص والدفع بها بقوة إلى الأمام، وهذا كله يمثل فرصا استثمارية ممتازة ويعزز النمو الاقتصادي، خصوصا إذا نجحنا في مبادرة رفع كفاءة الادخار لدى الأسر. ولأن بوليصة التأمين من أهم الأدوات التي يعمل القطاع المالي من خلالها، فإن البرنامج يسعى إلى تطبيق نظام التأمين الإلزامي للمركبات والتأمين الصحي، كما أن المبادرات تسعى إلى زيادة نسبة قروض المنشآت الصغيرة والمتوسطة إلى 5 في المائة من إجمالي القروض، وتوليد مزيد من الوظائف العالية الأجر في القطاع المالي. وهكذا، فنحن أمام برنامج اقتصادي عالي الأهمية يمكن تحقيقه للحفاظ على الاستقرار المالي. وضمان استدامة اقتصادية، ويحافظ على المستوى المرموق الذي وصل إليه الاقتصاد السعودي بين دول العالم.
إنشرها