Author

إصلاح الإنفاق لنمو مستدام

|

لقد اشتركنا أخيرا مع صندوق النقد العربي والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي وحكومة المغرب في تنظيم مؤتمر كبير في مراكش كان يركز على تشجيع النمو والوظائف والاحتوائية في العالم العربي، أي كيفية إيجاد اقتصاد يضم الجميع، ويعمل لمصلحة الجميع، ويتيح الفرص للجميع.
إن جدول الأعمال الإصلاحي مشحون، لكن سياسة المالية العامة ركيزة أساسية. وتسهم سياسة الإنفاق على وجه التحديد بدور حيوي في دعم وتعزيز النمو المستدام والاحتوائي الذي ننشده جميعا. وعلى هذه الخلفية، اسمحوا لي أن أستعرض معكم السياق الاقتصادي الإقليمي في عجالة، قبل أن أركز على بعض تحديات الإنفاق الأساسية أمام المنطقة، وأحاول اقتراح مسارات للإصلاح في الفترة المقبلة.
تعلمون جميعا أن التعافي الاقتصادي اكتسب قوة أكبر على مستوى العالم، وأن النمو عاد من جديد بمعدل 3.9 في المائة في عامي 2018 و2019 ليشمل 75 في المائة من الاقتصاد العالمي. لكن هذه الموجة لا تحقق الدفعة الكافية لهذه المنطقة.
ولا شك أن هناك اختلافات بين البلدان.
فبالنسبة للبلدان المصدرة للنفط، تعافت أسعار النفط إلى النقطة المتوسطة بين مستوياتها الدنيا والمستويات العليا التي سجلتها منذ بضع سنوات، وهو ما يظل يفرض ضغطا كبيرا على أرصدة المالية العامة ويقتضي اعتماد نموذج اقتصادي مختلف.
وتختلف القصة قليلا بالنسبة للبلدان المستوردة للنفط. فمن المتوقع أن تحقق نموا أعلى، لكنه لا يقترب بأي حال من المستوى اللازم لتوفير وظائف كافية للشباب الداخلين إلى سوق العمل. وقد استمر ارتفاع الدين العام في هذه البلدان، حتى تجاوز 50 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في كثير منها. وإضافة إلى ذلك، تعاني بعض البلدان الصراعات والإرهاب وتدفقات اللاجئين الكبيرة وتفاقم المخاطر الأمنية.
إذن، فالتحديات كبيرة في كل مكان، والاستقرار هو المعرض للخطر في نهاية المطاف. فبطالة الشباب هي الأعلى على مستوى العالم، بمتوسط 25 في المائة وأكثر من 30 في المائة في تسعة بلدان. وإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يدخل سوق العمل على مدار الأعوام الخمسة المقبلة أكثر من 27 مليون شاب مفعم بالأمل يتوق إلى المشاركة. لكن تطلعات شباب المنطقة لم تتحقق بعد، وإحباطهم المفهوم يزداد حدة بسبب تصورات عدم الإنصاف. نتائج المسوح تشير إلى أن أكثر من 60 في المائة من المجيبين يرون أن الصلات مع أصحاب النفوذ أهم بكثير من توافر المؤهلات المطلوبة للحصول على وظيفة. ومن السهل أن يؤدي هذا إلى حالة من الاستياء، وإلى تصاعد التوترات الاجتماعية وانهيار ثقة المجتمع.
وعلى هذه الخلفية، أنتقل إلى الحديث عن بعد المالية العامة. والخلاصة هنا، هي أنه ما لم تكن سياسة المالية العامة على مسار مستدام، فسيصبح تصاعد المديونية عبئا على كاهل الشباب المثقلين بالأعباء أصلا، ولن يتاح حيز كاف لتمويل الإنفاق اللازم للنمو الاحتوائي.
وقد كانت الإيرادات محور التركيز في منتدى العام الماضي. وهناك بلدان عديدة قامت بإصلاحات مهمة على جانب الإيرادات، بما في ذلك تطبيق ضريبة القيمة المضافة أخيرا في السعودية والإمارات. وهي خطوة مهمة نحو تنويع الإيرادات وبناء الطاقة الضريبية. ولا شك أن هناك مجالا لعمل مزيد، إذ إن الإيرادات المحلية منخفضة للغاية بمتوسط يبلغ 10 في المائة فقط من إجمالي الناتج المحلي. ويجب أن يتم ذلك دون إغفال اعتبارات العدالة والإنصاف، وكلاهما شرط لضمان مقبولية الضرائب.
أما هذا العام، فنركز على الجانب الآخر من العملة، وهو الإنفاق. فسياسة الإيرادات وسياسة الإنفاق متكاملتان، وينبغي تقييمهما كحزمة واحدة لتحقيق أهداف المالية العامة والأهداف الاقتصادية والاجتماعية.

إنشرها