Author

توسيع الطرق لا يقضي على الزحام .. والسبب الطلب الكامن

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا

لوحظ أن مهندسين في الحركة المرورية يعتقدون، أو يفترضون، أن الطلب على الطرق سيزيد بمعدل لا يتغير سنة بعد سنة. وأن معدل المسافة المقطوعة للسائقين، من حيث المتوسط، لا يزيد. وبناء على هذا الافتراض، تعرف أنهم سيصلون إلى نتائج أن بناء طريق سريع سيقلل من الزحام على المدى البعيد.
الكلام السابق صحيح لو أنه لا وجود للطلب الكامن. وقبل التفصيل، سأذكر أولا تعريفات.
سلعة: وتشمل السلعة بالمعنى العرفي، كما تشمل الخدمة.
توسيع طاقة الطرق: أي زيادة قدرة الشوارع والطرق الاستيعابية لحركة المرور، عبر توسعة وتحسين طرق وشوارع قائمة، واستحداث وتطوير شوارع وطرق جديدة.
الطلب الكامن: يعبر عنه بالإنجليزية Induced demand, or latent demand، ويعني وجود رغبة قوية في الحصول على السلعة بكمية و/أو مواصفات كذا، ولكن منع من الحصول عليها نقص المعلومات أو ضعف القدرة الشرائية. وهذا الضعف ليس مطلقا، بل نسبيا، كل بحسبه. المشكلة أن العرض الذي سيكون متاحا من السلعة غير كاف لتلبية الطلب لو توافرت السلعة بسعر رخيص نسبيا، فكيف إذا توافرت بسعر منخفض جدا.
بعد هذه التعريفات، فإن لدينا قيادة السيارة على الطرق، ولدينا توفير الطرق لهذه القيادة.
قيادة السيارة على الشوارع والطرق تعد طلبا، ولهذا الطلب سعر. والسعر، الوقت والزحام وتحمل مسؤولية القيادة والمبالغ التي تدفع مقابل توفير الشوارع والطرق.
ما النتيجة؟ يحاول السائقون أو ملاك السيارات استعمال وسائل تتيح لهم دفع أقل تكلفة ممكنة للقيادة. ولذا، فإن تكلفة المشوار "خلاف استعمال السيارة" تتركز في الوقت، حيث إن استخدام الطريق مجاني. ويرتبط بالوقت، مستوى الزحام. وتزيد تكلفة الوقت، خاصة مع ارتفاع أسعار الوقود.
ما سبق يخص الطلب، فماذا عن العرض؟
يتمثل في القدر الموجود من شوارع وطرق خاصة لمقابلة الطلب السابق.
لوحظ أن الدراسات الهندسية في توسيع طاقة الطرق تبنى في الغالب على افتراض نمو ثابت أو شبه ثابت لعدد السيارات وحركتها. وتبعا، فإنه يتوقع أن التوسيع ينتج منه تيسير حركة المرور وتخفيف الزحام تخفيفا ملموسا. لكن الطلب الكامن يقف ضد تحقق التوقع السابق مع مرور الوقت. الطلب الكامن يجعل نمو عدد السيارات ونمو حركتها في تصاعد مع مرور السنين بعد توسيع طاقة الطرق.
لننظر إلى البداية مع فتح الشارع أو الطريق الذي زادت طاقته الاستيعابية. الملاحظ أن الوقت اللازم للمشوار انخفض، وتبعا تكلفة المشوار انخفضت. ما النتيجة؟
أولا: إغراء الناس، وتحديدا السائقين، بالجنوح نحو رحلات ومشاوير أطول ومرات أكثر بعد زيادة الطاقة الاستيعابية للطرق.
تخيل أنك الآن تقضي نحو ساعة، معظم الوقت للذهاب من وسط الرياض، قل مثلا من المربع أو الملز إلى حي شمالي، كالصحافة أو الياسمين. ثم تخيل مجرد تخيل وجود طريق مباشر يمكنك أن تصل في قرابة نصف الوقت السابق. نقص الوقت فصار لدى السائقين حافز على مشاوير ومسافات أكثر، من حيث المتوسط.
وثانيا: سيتحفز سائقون كثيرون على استعمال هذا الطريق الجديد.
وثالثا: سيحفز الناس على التأخر. مثلا، من تعود أن يخرج من بيته قبل الدوام بساعة بسبب الزحام قبل فتح طريق جديد، سيتراخى ليخرج قبل الدوام بنصف ساعة مثلا، بعد فتح الطريق الجديد. والنتيجة تزايد تركيز الحركة، فالزحام.
رابعا: وجود طرق سريعة مريحة يحفز على توسع الأحياء وتمدد سكني للمدينة غير كثيف السكان. وهذا بدوره يزيد تكاليف تطوير وتخديم الأحياء.
خامسا: بناء طرق سريعة يجعل المدينة أكثر اعتمادا على السيارة وأكثر تمددا.
العوامل السابقة ستجعل الطريق الجديد مزحوما مع مرور الوقت. ومن ثم فلابد من حلول أخرى. ولعل أنسبها، توفير نقل عام شامل ومكثف بحيث يعتمد عليه. ونعرف أنه يجري الآن بناء شبكات نقل عام في بعض مدن المملكة. فما تفسير التأخر في بناء هذه الشبكات؟
الجواب باختصار، ضعف الحافز. لو كانت كل أو بعض تكاليف الطرق تؤخذ من مستعمليها مباشرة، فماذا سيحصل وفق مبادئ السوق الحرة free market؟ سيضعف الطلب الكامن. وسيكون الحافز أقوى لبناء طرق أقصر، وبناء نقل عام، وجعل الكثافة السكانية أعلى في أحياء المدينة الأقدم. وللتوضيح، هذه ليست دعوة من الكاتب لأخذ أو عدم أخذ رسوم على استخدام الطرق، ولكنه يصف واقعا كما هو بغض النظر عن حبنا أو كرهنا له.
أخيرا، يتيح الطلب الكامن لنا فهم عدم انخفاض أسعار سلع بعينها، غالية نسبيا، انخفاضا كبيرا. والمقام لا يتيح التفصيل.

إنشرها