Author

إنذارات تتهدد الحياة فوق الأرض

|
يكاد لا يمر يوم إلا ومراكز الأبحاث والدراسات العالمية تصدر التقارير المخيفة عن مستقبل الإنسان فوق كوكب الأرض، وبالأمس القريب تلقى الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة تقريرا مفزعا يقول، إنه ليس أمام العالم إلا سنة واحدة للتحرك كي يمنع سلسلة من الانهيارات في منظومة التوازنات البيئية التي هي أساس بقاء الإنسان فوق كوكب الأرض مثل المحافظة على استقرار المحيطات والموارد الطبيعية الأساسية لحياة الإنسان، ويلمح التقرير إلى أن نصف الغابات التي كانت تكسو الكرة الأرضية لم يعد لها وجود، وثلاثة آلاف مليون طن من غاز ثاني أكسيد الكربون تسمم الجو سنويا، ومليارات من الأطنان هي كمية النفايات التي ينتجها الإنسان يوميا فوق كوكب الأرض، مع الزيادة المتطرفة في معدلات عدد السكان حيث بلغت ستة مليارات نسمة في مطلع القرن الحالي، وسبعة مليارات اليوم، وينتظر أن تبلغ عشرة مليارات نسمة قبل حلول عام 2050، بينما 40 في المائة من سكان الأرض يعاني شح المياه العذبة! ومع مرور الوقت واستمرار عبث الإنسان بالبيئة وتخريب المنظومة البيئية، فإن الكرة الأرضية ستصل إلى مرحلة الرفض لكل ما يفعله الإنسان من تخريب وإهمال وتدمير للحياة الطبيعية فوق كوكب الأرض. إن قضايا البيئة والتلوث أضحت تقلق العلماء ومراكز الأبحاث في كل أنحاء العالم، بل أصبحت قضايا التلوث التي ألحقت أضرارا بالغة بصحة البشر والإضرار بالمحاصيل الزراعية وتغيير مناخ وجغرافية الأرض تقلق كل الحكومات في كل أنحاء العالم، ولا سيما بعد أن ظهر الاحتباس الحراري في مناطق متعددة من الكرة الأرضية وأخذ يفتك بالبشر ويتهدد حياتهم ومعاشهم. مرة أخرى إن التقارير التي صدرت من المنظمات الدولية تؤكد أن نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو هي المسبب لظاهرة الاحتباس الحراري، وهذا الغاز ارتفع إلى 380 جزءا في المليون بعد أن كان 272 جزءا في المليون قبل الثورة الصناعية، وهو ما أدى إلى ارتفاع درجة الأرض درجتين كاملتين مقارنة بالوضع الذي كانت عليه قبل الثورة الصناعية. وأصدرت منظمة الأمم المتحدة تقريرا يتوقع أن ترتفع درجة حرارة الأرض بمعدل 3 درجات إلى 4 درجات في بعض الدول بحلول عام 2050، وهو ما يشكل زيادة غير طبيعية لحرارة الأرض، وإذا حدث هذا ــ لا سمح الله ــ فإن الحرارة ستتسبب في حدوث آثار كارثية في البشرية جمعاء منها ارتفاع منسوب مياه البحار ما بين 34 و52 سم. ولا شك إن هذا التغيير السيئ في المناخ سيؤثر سلبا في الإنسان المكلف بعمارة الأرض، وسيترتب على ذلك انخفاض في معدل النمو الاقتصادي، بل إن معدلات التنمية المستدامة في كل دول العالم سوف تتراجع إلى مستويات متدنية. ويؤكد خبراء البيئة أن الحرارة إذا ارتفعت درجتين مئويتين، فإنها ستؤدى بالضرورة إلى نقص ملحوظ في المحاصيل الزراعية، كما ستؤدى إلى ارتفاع قياسي في درجة الحرارة التي ستنجم عنها موجات من الأعاصير المدمرة التي تضر بالحياة على الأرض. إن هذه التغيرات في طوبوغرافية الأرض وحرارتها أدت إلى تغيير دراماتيكي في خريطة الأمراض المنتشرة فوق الكرة الأرضية، فبعد أن أصبحت كثير من الأمراض الفتاكة من مخلفات الماضي، عادت هذه الأمراض بشراسة أكبر ومخالب أخطر ولم تعد أدوية المضادات الحيوية التي اكتشفها الإنسان ــ بعد جهد جهيد وسنوات طويلة وأموال كثيرة ــ قادرة على القضاء عليها. ونذكر على سبيل المثال أن فيروس كورونا الذي اجتاح منطقة شبه الجزيرة العربية قبل بضعة أعوام لم ينجح الإنسان حتى الآن في اختراع اللقاح المضاد له، ولهذا عاد هذا الفيروس يفتك بالإنسان ويدمر صحته. ولقد أظهرت الصور الفضائية التي ترصد القطبين الشمالي والجنوبي أن ذوبان الجليد البحري في القطب الشمالي يتم بوتيرة أسرع من المتوقع، حيث اتضح من خلال الصور انحسارا واضحا للجليد في مناطق سيبريا وألاسكا وجوانب مختلفة من القطب الشمالي، وكان كل من الممر الشمالي الغربي، والمسار الشمالي مفتوحا أمام الملاحة خلال شهر سبتمبر 2010، كما سجلت درجة حرارة الهواء ارتفاعا ملحوظا منذ بداية الألفية الميلادية الثانية، وبلغت رقما قياسيا لتصبح الأشد على الإطلاق. وهذا كاف لإحداث اختلال في التوازن الطبيعي للكرة الأرضية وهو ما أدى إلى حدوث الكوارث الطبيعية المروعة كالزلازل والبراكين والأعاصير والفيضانات التي شهدتها خلال الأيام والسنوات القليلة الماضية إندونيسيا وهاييتى وباكستان وروسيا واليابان وغيرها من المناطق في أنحاء مختلفة من الكرة الأرضية. الأخطر من ذلك أن بعض العلماء تكررت تحذيراتهم من أن كوكب الأرض سيتعرض إلى انفجار أكبر بركان في العالم، وهو البركان النشط الموجود في منطقة بول ستون بارك في وسط أمريكا، ويؤكد الجيولوجيون الأمريكيون أن الحمم المنصهرة من هذا البركان كافية لتغطية أمريكا كلها بالحرائق، والخطر الأكبر هو وصول هذه الحرائق إلى مخزون السلاح النووي الأمريكي، الذي إذا وصلت ــ لا سمح الله ــ إليه الحرائق فسيكون قادرا على تدمير الكرة الأرضية بمن فيها وما فيها. وفي هوليوود يهتم صناع السينما في هذه الأيام بإخراج أفلام تصور نهاية العالم بافتراض سقوط كويكب من الفضاء الخارجي على كوكب الأرض، أو سقوط نيزك ماتيلدا على الأرض. وكل الأفلام التي تعالج هذا النوع من القضايا تؤكد في النهاية أن الإنسان الذي لوث كوكب الأرض وألحق بالبيئة أضرارا بالغة لم يعمل بجد لإنقاذ الأرض من الخراب الذي ألحق بها. إن المسؤولية تطول كل إنسان يعيش فوق كوكب الأرض وتطالبه من موقعه بأن يرفق بالبيئة، وأن يكون من حماتها المسؤولين، بمعنى أن المطلوب من السياسيين أن يعملوا على إيقاف وإلغاء كل المشاريع المؤذية للبيئة، وأن يقروا كل المشاريع والبرامج التي تحافظ على بيئة نظيفة فوق كوكب الأرض، والمطلوب من المثقفين أن يضعوا البيئة النظيفة في مقدمة أعمالهم وأن يكتبوا باستمرار عن البيئة النظيفة، كذلك المطلوب من السينمائيين أن ينتجوا أفلاما تركز عناوينها على أهمية حماية كوكب الأرض من التلوث، ومطلوب من الصناعيين أن يستخدموا المواد النظيفة في مصانعهم، ومطلوب من مؤسسات التعليم أن يدرسوا الطلاب أهمية نشر الوعي البيئي في المجتمعات، ومطلوب من رجل الشارع العادي أن يحافظ على البيئة النظيفة ابتداء من بيته ومن عمله ومن الشارع الذي يسكنه.
إنشرها