Author

غسل الأموال .. الاقتصاد القذر

|
ليس غريبا أن تصل قيمة عمليات غسل الأموال على المستوى العالمي إلى تريليوني دولار. هذه الأموال "كما هو معروف" تلتهم 5 في المائة من الناتج المحلي العالمي، وهي كارثة متجددة، لم تتمكن الحكومات من الحد منها، رغم كل القوانين والإجراءات التي اتخذتها. الحرب على غسل الأموال استعرت بالفعل في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية التي انفجرت في عام 2008، والسبب واضح يتعلق بمحاولات الحكومات الحصول على ما أمكن من الأموال لمواجهة الأزمة، يضاف إلى ذلك بالطبع، أنها تحاول أن تحمي العوائد الآتية من الضرائب. ففي البلدان المتقدمة، تمثل الضرائب المصدر الأول للدخل الوطني، وهي مرتفعة في بعض الدول بصورة جنونية، لكن هناك خدمات عامة مقابلها يحصل عليها الجميع. غير أن المسألة لا ترتبط فقط بالضرائب، بل تشمل أيضا تدمير الشركات الصغيرة والمتوسطة، وهذا النوع من الشركات يمثل حقا أساسا اقتصاديا قويا. والمسألة بسيطة، هي أن الأموال المغسولة توفر "منتجات" رخيصة، لأنها لا تهتم بالتكلفة، بينما الأمر ليس كذلك بالنسبة إلى الشركات الشرعية المعروفة. لكن، هذا أيضا ليس لب المشكلة الناتجة عن غسل الأموال. فمن أكبر المشكلات أن نسبة من هذه الأموال غير الشرعية تأتي عبر الفساد والنهب والرِّشا، ناهيك عن تلك الناتجة عن تجارة المخدرات والاتجار بالبشر والمواد الممنوعة عالميا، فضلا عن تجارة السلاح السرية، خصوصا لدول مارقة، أو منظمات إرهابية إجرامية منتشرة هنا وهناك. فعلى سبيل المثال، تعتمد إيران على عمليات غسل الأموال لتمويل أعمالها الإرهابية وتدخلاتها في المنطقة. فمن الفواجع "مثلا"، أن مصارف كبرى ذات أسماء رنانة اعترفت في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية بأنها سندت نفسها بأموال المخدرات وغيرها، وأسهمت مباشرة في عمليات غسل الأموال. وقد تلقت مصارف أيضا كبرى غرامات هائلة تاريخية من حيث المستوى، لهذا السبب، خصوصا الغرامات التي فرضتها الولايات المتحدة عليها. عمليات غسل الأموال حاضرة بقوة على الساحة، والحكومات تعرف تماما ذلك، وتحاول الحد منها، إلا أن الأساليب الجديدة في "الغسل" عادة ما تتجاوز إجراءات الجهات الشرعية. والخطورة تبقى دائما، من مصادر هذه الأموال، خصوصا تلك الناجمة عن الأعمال الإرهابية والإجرامية المختلفة. ومن هنا، فالأمر مرتبط بالأمن كما هو متعلق بالاقتصاد والحياة المعيشية في هذا البلد أو ذاك. من هنا يمكن فهم تحول مواجهة غسل الأموال إلى محطات جديدة، بما في ذلك الاستناد إلى قدرات وإمكانيات الأجهزة المخابراتية والأمنية غير التقليدية. والسبب أن هذه الأموال القذرة تهدد الأمن القومي على المدى البعيد، وتفتح آفاقا إجرامية جديدة. لم يعد الأمر خاصا بمخالفات مالية، إنها جرائم تحدث على مدار الساعة بأشكال وطرق وأدوات مختلفة ومتجددة. ويبدو واضحا أن التعاون الدولي في هذا المجال أسهم بشكل إيجابي في المرحلة الماضية، إلا أنه لا يزال دون المطلوب. فهناك دول منضوية تحت أولوية الجهات الدولية التي تستهدف الأموال القذرة، غير أنها مليئة بهذا النوع من الأموال، وتمر عبرها مليارات من الدولارات على مدار العام، بمعنى أن هناك تهاونا في هذا الأمر مع بعض الدول، وفي مقدمتها إيران. حتى في البلدان الكبرى، تجد الأموال القذرة "المغسولة" ملاذات شبه آمنة لها، عن طريق إدخالها في مشاريع وعقارات وغيرها. لا بد من حرب عالمية حقيقية على عمليات غسل الأموال، للحد من آثارها المدمرة في الاقتصادات والأمن الدولي أيضا.
إنشرها