FINANCIAL TIMES

اضمحلال قوة الإشارة ضمن منحنى عوائد السوق

اضمحلال قوة الإشارة ضمن منحنى عوائد السوق

بعد أن كانت تعليقات المحللين طوال فترة طويلة صديقا مقربا لسوق الأسهم، إلا أنها تحولت الآن إلى معاملة سوق السندات على أنها أحد الأعداء.
مع ذلك، فإن "الإشارات" الحالية من سوق الدخل الثابت تعج بالضجيج. فك مغاليق هذه الإشارات يقتضي نهجا أكثر دقة، باستخدام الحكم الاستثمارية المعروفة منذ زمن طويل.
في الأسبوع الماضي اخترق معدل العوائد على السندات الحكومية الأمريكية المعيارية لأجل عشر سنوات حاجز الثلاثة في المائة، والذي كثرت حوله التعليقات في وسائل الإعلام. هذا ما سلط الضوء على ما كان ارتفاعا عاما في العوائد هذا العام. من خلال التأثير على حجم الخصم المتوقع في حركات النقد المستقبلية للشركات وتضخيم التقلب، فإنه يعمل مثل رياح عكسية تقف في وجه المسيرة المثيرة للإعجاب، التي تمتعت بها الأسهم والأصول الخطرة الأخرى خلال السنوات القليلة الماضية.
على أن النقيض الاقتصادي لذلك – أي ارتفاع أسعار الفائدة لأجل "الأسباب الصحيحة" التي هي علامة على ارتفاع النمو الاقتصادي وديناميكيات التضخم غير الضعيفة، وكلاهما من شأنه أن يعزز أرباح الشركات – يبدو أنه مستضعَف بسبب الإشارة من منحنى العوائد المنبسط بشكل متواصل.
بالنسبة للبعض، يبدو أنه محكوم على المنحنى بالانعكاس.
عند نحو 50 نقطة أساس، فإن الفرق في العوائد على سندات الخزانة لأجل سنتين وعشر سنوات في أضيق حالاته، بالنسبة لهذه العلاقة المهمة في سوق السندات منذ عام 2007. والظاهرة ملموسة حتى أكثر في منحنى عقود التأمين المتبادل على أسعار الفائدة.
من الناحية التقليدية، مثل هذا الانبساط في المنحنى من شأنه أن يُعد علامة على البداية المحتملة لتباطؤ اقتصادي ملموس.
بالنسبة لهذه المرة لا يجدر بنا أن نتجاهل حكمة من إدارة المحافظ النشطة: اسأل دائما كيف ستكون في النهاية بإقفال تداول معين، بما في ذلك أن تسأل عمن سيوفر لك المخرج من مركزك.
حاملو السندات طويلة الأجل كانوا يشعرون بالارتياح، وتعودوا على الاعتماد على الشراء المستمر من قبل مجموعتين من المشترين "غير التجاريين"، أو الذين لديهم حساسية أقل نحو الأسعار.
المجموعة الأولى هي البنوك المركزية من خلال برامجها في التسهيل الكمي. والمجموعة الثانية تشتمل على صناديق التقاعد وشركات التأمين على الحياة التي هي في وضع أفضل، بما يخولها عزل مطلوباتها طويلة الأجل بعد الاندفاع الذي شهدته سوق الأسهم في عام 2017.
الأثر الذي يُضعِف العوائد تضخم بفعل التوجيه المتقدم النشط من البنوك المركزية، والذي كان يقصد به التقليل من المفاجآت بالنسبة للأسواق.
هذا النهج أصبح حتى أكتر تعمُّدا بعد تجربة أيار (مايو) 2013 في الخوف الذي أثاره الإعلان عن الانسحاب التدريجي من برنامج التسهيل الكمي، حين أثار بيان غير متوقع من بن برنانكي، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي في ذلك الحين، موجة من الجيشان في الأسواق.
الارتفاع في العوائد على السندات طويلة الأجل تعرض للتباطؤ بفعل هذا العامل. في الوقت نفسه، دُفعت العوائد على سندات الخزانة قصيرة الأجل إلى الأعلى بسرعة أكبر، بفضل زيادات أسعار الفائدة من "الاحتياطي الفيدرالي" والزيادة غير المتناسبة في المبيعات المتوقعة من السندات الحكومية.
من هذا الباب، الرسائل من منحنى العوائد حول آفاق النمو الاسمي ينبغي أن تؤخذ على محمل الشك – خصوصا حين تستمر كثير من السلع الأساسية في الإشارة إلى نشاط عالمي قوي.
ثم إن إشارات السوق المشوهة لا تقتصر على السندات. الإشارات الدقيقة المتزايدة الآتية من أسواق الأسهم لا بد أن يتم تعديلها هذه الأيام من منظور حكمة أخرى في إدارة المحافظ – وهي أنه ينبغي احترام ردود الفعل التفاضلية بين المستثمرين "السريعين" و"البطيئين"، أو ما كان البعض يدعوه في الماضي باسم المال "الذكي" والمال "الغبي".
التسلسل التقليدي يسير على النحو التالي: المال السريع، الذي يتألف في الدرجة الأولى من صناديق التحوط، يشعر في العادة بالتغيرات المقبلة في ظروف الشركات الفردية والقطاعات بشكل أسرع من غيره.
قراراتهم الابتدائية بخصوص المحافظ من شأنها بالتالي أن تتعزز من قبل المستثمرين من ذوي الحركة البطيئة، الذين يتألفون بالدرجة الأولى من الصناديق المشتركة الفعالة.
مع ذلك، فإن هذا العامل تعرض للوهن بسبب التحول الذي لا يستهان به من الإدارة الفعالة إلى الإدارة السلبية. وفقا لشركة مورننجستار، اجتذبت صناديق الأسهم الأمريكية السلبية نحو 220 مليار دولار من الأموال الداخلة في السنة الماضية، بحيث أوصلت المجموع إلى نحو سبعة تريليونات دولار، في حين أن الصناديق الفعالة فقدت 207 مليارات دولار. هذا المزيج عمل على تخفيف الإشارات من شركات وقطاعات معينة، وتضاءلت حركات السعر الصغيرة التدريجية بفعل الأثر المعمم لمستثمري المؤشرات.
بالتالي ما الموقف الذي يجب أن يكون عليه صناع السياسة والمستثمرون والأسواق؟
تعلمتُ ثلاثة مبادئ بسيطة حول إشارات السوق في مرحلة مبكرة من حياتي المهنية في تحليل الآفاق الاقتصادية وآفاق السياسة:
أولا: هي مدخلات مهمة بالنسبة لتقييم شامل لآفاق النمو والتضخم والاستقرار المالي؛ وثانيا: السندات هي مؤشرات أفضل من حيث المواضيع الجزئية من الأعلى إلى الأدنى؛ وثالثا: الأسهم هي أفضل من الأدنى إلى الأعلى، إلا أنه في العصر الحديث، تعرضت جميع هذه المبادئ الثلاثة للإجهاد، وآفاقها مختلفة تماما.
أتوقع أن البنك المركزي الأوروبي وبنك اليابان "المركزي" سوف يوقفان برامجهما في الشراء في وقت متأخر من العام الحالي أو مطلع العام المقبل. فإذا حدث ذلك، فإن أسواق السندات ستعود لتقدم إشارات أفضل حول النواتج المحتملة في الاقتصاد الكلي، في الوقت الذي تشتد فيه بشكل بطيء حدة التشديد الكمي.
الأمر يختلف بالنسبة للأسهم. بصرف النظر عن الفجوة التي نشأت بسبب موجة التقلبات في شباط (فبراير) الماضي، فإن التحول نحو الجانب السلبي لا يرجح له أن ينعكس بطريقة معقولة.
بالتالي، فإن الإشارات الدقيقة التي تأتي في وقتها من الاقتصاد الجزئي، حول شركات وقطاعات بعينها ستستغرق عودة ظهورها وقتا أطول.
هناك موضوع مهم بالنسبة لصناع السياسة والمستثمرين، ألا وهو الفصل بين إشارات السوق وبين الضجيج الذي تشتمل عليه. بالنسبة للوقت الحاضر، يظل هذا الأمر موضوعا أكثر تعقيدا.

* الكاتب كبير المستشارين الاقتصاديين لشركة آليانتز، ومؤلف كتاب "اللعبة الوحيدة في المدينة"

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES