ثقافة وفنون

إعلامي أسترالي: 2034 نهاية صحافة الورق السعودية

إعلامي أسترالي: 2034 نهاية صحافة الورق السعودية

أضحى السؤال عن "مستقبل الصحافة الورقية" لازمة تتكرر عند كل لقاء تحشرك فيه الظروف، مع أصدقاء في مهنة المتاعب أو زملاء ممن تقاسمت معهم صفحات جريدة قبل أن تفرقكم الأقدار، كما فرقت صفحات تلك الجريدة. وأضحى معه النقاش حول نتائج معركة طاحنة؛ وغير متكافئة، بين "الصحافة الورقية" و"الصحافة الإلكترونية" محتدما بين المشتغلين في رحاب "صاحبة الجلالة".
تتزايد تدريجيا أعداد المصابين بحمى الـ"ما بعديات"، مع حديث الكثيرين عن فكرة رحيل المطبوع، والاستعداد لمرحلة "ما بعد المطبوع". وبلغ الأمر مرحلة اليقين حين قال أحدهم بأنه: «قد نستيقظ يوما لنجد العالم، وقد أصبح بغير جريدة الصباح وفنجان البن اللذين طالما تغنى بهما شعراء وكتاب». وقال آخر بجزم: «أصبح مشهد قارئ الجريدة الورقية على ناصية المقهى من الصور التي تنتمي لشريط ذكرياتنا الجميلة، والتي يبدو أنها لن تعود ككل الذكريات».
تعج رفوف المكتبات بعشرات العناوين التي تبشر بنهاية الصحافة الورقية؛ بصيغة يقينية لا تقبل الشك، من قبيل "النهاية الحتمية للإعلام الورقي" (فليب ماير)، و"نهاية الصحف ومستقبل الإعلام" (برنار بوليه)، و"هل الصحافة المطبوعة في طريقها إلى للانقراض" (سعود كاتب).
أكثر من ذلك، لا يتردد الإعلامي الأسترالي روس داوسن في الرجم بالغيب، والتأكيد على أن نهاية الصحافة الورقية ستكون ستنتهي عام 2040، لا بل يعطي تفاصيل أوفى بحسب البلدان. يرى أن البداية ستكون في الولايات المتحدة الأمريكية ثم بريطانيا وآيسلندا في السنة المقبلة، ثم كندا والنرويج بحلول عام 2020، تتلوهما أستراليا سنة 2022. فيما سيتأخر الأمر في فرنسا حتى عام 2029، بسبب الدعم الحكومي، وفي ألمانيا ستختفي الصحف الورقية ابتداء من عام 2030، وفي المملكة العربية السعودية بعد ذلك بأربع سنوات؛ أي سنة 2034.
ينسى أو يتناسى هؤلاء الخبراء (المنجمون) أن مدير منظمة الملكية الفكرية التابعة للأمم المتحدة فرانسيس غيري، سبقهم لإطلاق مثل هذه التنبؤات، قبل أربع سنوات، حين أكد على أن الولايات المتحدة الأمريكية ستودع الصحف الورقية عام 2017، لتتبعها لاحقا بقية الدول في العالم. بيد أننا في أواسط سنة 2018، ولا تزال الصحف الورقية تصدر في أمريكيا.
قد تكون الصحافة الورقية مريضة، فهي آخر الملتحقين بقائمة ضحايا التكنولوجيا الحديثة، لكن الكلام عن نهاية الصحافة الورقية وإعلان عن موتها، وأن كل ما بقي هو تحديد موعد مراسيم التشييع والدفن في القادم من السنوات، تبقى محل نقاش لأكثر من سبب.
أولها: أن الصحافة هي المحتوى وليس الوعاء الذي تصدر فيه، وهو ما عبر عن خوان سينور المستثمر في مجال الإعلام والأكاديمي في جامعة أكسفورد حين قال بأن الصحافة الورقية لن تموت، مضيفا بأن الشكل الحالي للصحافة الورقية قد يختفي أو يتأثر، لكن في النهاية سيكون هناك نموذج ورقي ناجح بشكل أو بآخر.
ثانيها: صحيح أن الصحافة الورقية فقدت وظيفة الإخبار، وتحقيق "السبق الصحافي" المحسوب لها تاريخيا، مع ظهور صحف إلكترونية أكثر سرعة في نقل الخبر وتقديمه للجمهور المهووس بالمتابعة. بيد أن الخبر وحده ليس كل ما يطلبه القارئ، إذ إلى جانبه يحتاج إلى زاوية معالجة، وتحليل للمعطيات، واستقصاء عما وراء الخبر، ومقالات جادة وتقارير...
ثالثها: أن الصحافة الورقية تبقى أكثر احترافية من الصحافة الإلكترونية، رغم نجاح هذه الأخيرة في نقل القارئ أو المتصفح مباشرة إلى موقع الحدث بالصوت والصورة، فيما تجبر الورقية على الانتظار ساعات قبل طبع الخبر. بيد أنها تتميز بقدرتها على حفظ الأرشيف القومي للشعوب، وصيانة الذاكرة الجماعية، والمساهمة في حفظ التاريخ اليومي الإنسان. في حين يفتقر الإلكتروني إلى الديمومة؛ فالتراث الرقمي قابل للتغيير والتحريف والإضافة والحذف بسهولة.
صحيح أن الصحافة الإلكترونية تتقدم على المستوى الكمي فقط، أما الجودة والنوعية والتأثير فتأبى الصحافة الورقية مفارقتهم. ولا أدل على ذلك من تجربة الموقع الإلكتروني "ويكليكس" لصاحب حوليان أسانج، الذي لم يستطع إثارة ضجة عالمية بوثائقه السرية التي نشرها على موقعه، إلا بعد لجوئه إلى صحف مطبوعة بشكل ورقي؛ ولا سيما في بريطانيا.
إن تراجع الصحافة الورقية، يبقى حكرا على بعض المناطق في العالم فقط؛ خصوصا الدول المتقدمة الناطقة بالإنجليزية. لكن هذه الصحافة نفسها تشهد ازدهارا في دول أخرى، كالصين والهند واليابان... والسبب أنها صارت تمثل مجموعات مختلفة، تجعل من هذه الصحف منبرا لها، ما يطرح تساؤلا عريضا مفاده هل استنفذت الصحافة الورقية أغراضها في "البلدان المتقدمة"؟ أي أنها لم تعد كما قال ذات يوم، المؤلف المسرحي الأمريكي الكبير آرثر ميلر: "الصحيفة الجيدة هي منبر لأمة تتحاور فيما بينها".
الجواب طبعا لا، فقبل سنتين تحديدا شهدت بريطانيا ولادة صحيفة جديدة باسم "اليوم الجديد" (New Day)، والتي تتكون من 40 صفحة، دون أن يكون لها موقع إلكتروني. وقد علقت أليسون فيليبس رئيسة تحريرها على هذه المغامرة بقولها: "هناك كثيرين لا يشترون الصحف اليوم، ليس لأنها ما عادت تستهويهم، بل لأن الصحف المتوافرة حاليا في الأكشاك لا تلبي تطلعاتهم".
واضح إذن أن هناك أزمة حقيقية في المحتوى، والصحف التي لن تستطيع في المستقبل أن تطور أداءها وفكرتها وطرائق تواصلها ومحتواها، لن يكون لها فائدة. لكن هذا لا يعني مطلقا نهاية الصحافة الورقية:
لأن مقولة النهاية هذه تعود إلى سنة 1922 مع انطلاقة إذاعة بي بي سي، ثم تكررت عام 1928 حين ظهر التلفاز، وعاد من جديد وبقوة مع ظهور الإنترنت، لكن ما حدث أن هذه الوسائل الجديدة لم تستطع قطع رقبة الصحافة الورقية، فهي لا تزال قائمة إلى جانب كل هذه الوسائل الجديدة.
ولأن توقف بعض الصحف عن الصدور لم يكن قدرا محتوما، بل بسبب فشلها في التعامل مع المحتوى وعدم قدرتها أو رغبتها في تطوير نفسها. إذ بدل الحديث عن نهاية الصحافة الورقية كان حريا بأصحابها التفكير في تقديم الجدة والجديد لصناعة التميز لصحفهم، والحفاظ على علاقة متميزة مع القراء.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون