ثقافة وفنون

كنوز جزيرة العرب تعيد كتابة تاريخ البشر

كنوز جزيرة العرب تعيد كتابة تاريخ البشر

كنوز جزيرة العرب تعيد كتابة تاريخ البشر

كنوز جزيرة العرب تعيد كتابة تاريخ البشر

لا تزال حضارة الجزيرة العربية تبهر علماء الآثار والتاريخ، ولعل آخر اكتشاف كان له وقع عميق في الأوساط العلمية، إذ أثار اكتشاف أحفورة شرقي مدينة تيماء، عبارة عن عظمة عقلة من الإصبع الأوسط، أصداء عالمية واسعة، كشفت عن استيطان الإنسان القديم للمملكة قبل نحو 85 ألف سنة، ليعقبها تصريح عالم آثار بريطاني قال فيه إن الاستيطان البشري في حائل بدأ قبل 100 ألف سنة، لتؤكد هذه الاكتشافات المتعاقبة في مدلولاتها نبوءة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بأن تعود أرض الجزيرة العربية مروجا وأنهارا، كما أكدت على نحو آخر أن هذه الأرض كنز آثاري ضاربة جذوره في عمق التاريخ.

الهجرة البشرية

لم تخف الصحافة العالمية، ومنها مجلة (Time) وصحف "جارديان" و"ميرور" و"ديلي ميل" البريطانية، دهشتها من اكتشاف عمره يتجاوز 85 ألف عام.
فرغم طولها الذي لا يتجاوز 32 مليمترا، وقطرها الذي لا يتجاوز تسعة مليمترات، إلا أن هذه العظمة البشرية وفرت نظرة غير مسبوقة عن الهجرة المبكرة للبشر، فهي أقدم أحفورة خارج إفريقيا وفلسطين، حفظت بشكل جيد في رسوبيات بحيرات قديمة من عصر (الهولوسين) وسط الكثبان الرملية في صحراء النفوذ، بمنطقة تبوك، شمال غربي المملكة.
ولم يكن الإعلان عن هذا الاكتشاف وليد اللحظة، بل سبق أن أعلن عنه الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في محاضرة ألقاها في الأكاديمية الفرنسية للنقوش والآداب في باريس قبل نحو عامين، إلا أن الدراسات هذه المرة كانت أكثر دقة، وأعادت كتابة التاريخ.

معدات صخرية مشابهة للإفريقية

ما يثير الدهشة كذلك، أن الفريق العلمي المشترك المكون من ثماني جهات (هيئة المساحة الجيولوجية السعودية، الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، كلية السياحة والآثار بجامعة الملك سعود، مؤسسة ماكس بلانك لعلوم تاريخ الإنسان، جامعة أكسفورد، جامعة كامبردج، جامعة أستراليا الوطنية، جامعة جنوب ويلز الجديدة في أستراليا) عثر - بجانب أحفورة الإصبع - على رفات فقاريات وأدوات أثرية ومعدات حجرية مصنوعة من الصخور، بلغت نحو 380 أداة حجرية، مشابهة لأدوات العصر الحجري الأوسط في إفريقيا، التي نقلها الإنسان إلى جزيرة العرب خلال فترات مطيرة ربطت بالتأثير المداري، الذي أوجد أيضا بيئة مناسبة للعيش والانتشار للحيوانات الإفريقية مثل فرس النهر والجواميس والظبي والثعابين والطيور، كما أثبتت أن الإنسان وجد في عمق الجزيرة العربية، حيث الأمطار الموسمية والمراعي والبحيرات والأنهار.
وبحسب تصريح صحافي للمهندس حسين بن مانع العتيبي، رئيس هيئة المساحة الجيولوجية السعودية، فإن اكتشافا كهذا سيجلب اهتمام علماء الجيولوجيا والأحافير والآثار للقيام بالدراسات علمية مختلفة معمقة في المجال الجيولوجي، في حين نقلت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية عن مايكل بيتراغليا عالم الآثار في معهد ماكس بلانك لعلوم التاريخ البشري قوله: "إن هذا الاكتشاف يعتبر حلما تحقق".

اكتشاف قلب المعادلة

يتوارد إلى الأذهان سؤالا مفاده: ماذا أضاف هذا الاكتشاف للمعرفة والعلوم الآثارية؟
مجلة "نايتشر إيكولوجي" المتخصصة في الأبحاث والدراسات الإنسانية أجابت على هذا السؤال، فبحسب ما ترجمته "الاقتصادية"، فإن المتخصصين والعلماء كانوا يفترضون قبل هذا الاكتشاف أن انتشار الإنسان خارج القارة الإفريقية كان في مناطق محددة، بل في مرحلة مبكرة تعود إلى 90 - 130 ألف سنة، كما تفترض الدراسات الإنسانية أن الإنسان اقتصر وجوده في الهجرة المبكرة شرقي البحر الأبيض المتوسط وفلسطين وبلاد الشام عموما، وفي مرحلة تالية، بعد 60 ألف سنة، هاجر إلى بعض أجزاء أوراسيا وأستراليا.
بعض أحافير الفقاريات المكتشفة في تيماء خضعت لدراسات تحليلية في مختبرات متخصصة خارج المملكة، وتمت مقارنتها بآثار أخرى عثر عليها خارج الجزيرة العربية، لتكشف أن هذه العظام هي أقدم عظام بشرية عثر عليها في الجزيرة العربية، وأثبتت أن الإنسان كان في الجزيرة العربية في مراحل مبكرة، كما أن المنطقة كانت مملوءة بالبحيرات والأنهار، تصديقا لنبوءة المصطفى صلى الله عليه وسلم قبل 15 قرنا، حينما قال: "لن تقوم الساعة حتى تعود الجزيرة العربية مروجا وأنهارا".

غابات كثيفة

بدورها، نقلت مجلة "ذا جورنال أوف جيولوجي" عن علماء توصلهم إلى حقيقة علمية، وهي أن الجزيرة العربية مرت بفترات مختلفة من العصور المطيرة، ما أدى إلى ظهور نباتات طويلة، وغابات كثيفة، وهذا ما جعلها مكانا مقبولا للعيش، ما يؤيد فكرة حدوث الهجرة في وقت مبكر، وعيش الحضارات البشرية فيها.
علماء الجيولوجيا درسوا، بحسب المجلة، مجاري الأنهار الجافة، وعثروا على آثار طين وحجارة من قاع النهر تعود إلى نحو 160 ألف عام، كما عثروا على دلائل تقر بوجود خمس فترات مطيرة مرت على المنطقة، تدفقت إثرها الأنهار وجرفت معها هذه الحجارة والحصى، وحينما جفت الأنهار وانحسرت مياهها استقرت هذه الحجارة هنا.

جبة حائل

الأدلة والدراسات حول حضارة الجزيرة العربية وعودتها إلى طبيعتها المائية بدلا من كونها صحراء جافة باتت تتزايد يوما تلو الآخر، فبحسب تصريح أدلى به الدكتور بول بريز عالم الآثار بالكلية الملكية في لندن بإنجلترا قبل أيام، فإن الاستيطان البشري بدأ في موقع جبة بمنطقة حائل منذ أكثر من 100 ألف عام، وأكد ما سبقه إليه آخرون، حينما قال إنهم كعلماء حللوا الحفريات الموجودة في المنطقة، ليتوصلوا إلى حقيقة أن الإنسان "معتدل القامة" الموجود في مناطق شرق وشمال غربي إفريقيا جاء إليها من الجزيرة العربية.
الدكتور بريز أكد أنه جمع من مناطق مختلفة من المملكة نحو سبعة آلاف حفرية رسوبية تعود أغلبها إلى العصر البليوسي، وقال إن مقارنة الحفريات بصور الأقمار الصناعية أظهرت وجود نحو عشرة آلاف بحيرة في شمال غرب المملكة، وثمانية آلاف بحيرة في منطقة الربع الخالي يقارب عمرها 50 ألف سنة.
ولأن كل مجموعة من الحفريات ترتبط بعصر معين، أشار إلى أن الحفريات في الجزيرة العربية وبلاد الشام وشبه جزيرة سيناء متشابهة، ما يعني أن الإنسان في هذه المناطق في عصور ما قبل التاريخ كان يذهب إلى الجزيرة العربية سواء للاستيطان أو التجارة، ما يثبت أن المملكة ذات تاريخ عريق، وملتقى للحضارات العظيمة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون