FINANCIAL TIMES

تنبؤات خاطئة .. توقعات السوق بحاجة إلى إعادة تفكير جذري

تنبؤات خاطئة .. توقعات السوق بحاجة إلى إعادة تفكير جذري

ألبرت إدواردز، الخبير الاستراتيجي الشهير بتوقعاته المتشائمة، خرج هذا الأسبوع ليعترف أخيرا، بعد عقد من تنبؤه بحرب مالية فاصلة، بأنه ربما يكون قد أخطأ في فهم الأمر.
كتب إدواردز لعملائه: "من الجيد أن تواجه إهانة بسيطة في هذا العمل، لأن الأمر مهين حقا حين تكون التوقعات خاطئة. وكل ما كانت التوقعات أكثر جرأة زاد مقدار الإهانة! وهذا هو أحد الأسباب التي تجعل معظم المعلقين على جانب البيع لا يبتعدون كثيرا عن الإجماع".
المتنبئون من جميع الأصناف مشهورون بعدم الدقة. التنبؤ بالمستقبل بأي قدر من التناسق أو الدقة أمر مستحيل، وفشل الذين يحاولون القيام بذلك هو مجرد خطر مهني. مع ذلك، في الأسواق المالية، ما زلنا مأخوذين بالتنبؤات من كل الأنواع. لا يمر يوم تكون فيه الأسواق مفتوحة دون أن يتنبأ شخص ما بالنمو الاقتصادي وما يعنيه اتجاه أسعار الأصول.
في المناسبات النادرة التي يعترف فيها الخبراء الاستراتيجيون، من أعلاهم إلى أسفلهم، بأنهم أخطأوا في فهم ما يدور قد يشعرون بالإغراء إلى الاعتقاد بأن السبب هو أنهم قد ارتكبوا بعض الأخطاء، أو أهملوا بعض الأمور في تحليلاتهم. بدلا من التفكير في كيفية تنقيح العملية تتسبب في الإخفاق المتكرر في التنبؤات، سيكون من الأفضل إيقاف الافتراضات الأساسية التي تدعم الكثير من هذه التنبؤات وإعادة النظر فيها.لا يزال مقبولا بشكل عام تقريبا في عالم التعليق المالي أن البيانات الاقتصادية هي محرك مهم، إن لم تكن أهم محرك، للأسواق. في عالم يتم فيه توظيف عشرات الآلاف من الأشخاص بطريقة أو بأخرى للعثور على روابط بين البيانات الاقتصادية وكيفية أداء الأسواق، يتم التعامل مع الذين يشككون في الافتراضات التي ترتكز عليها هذه الممارسة على أنهم إما زنادقة وإما أغبياء أو كلاهما.
ولا يزال كثير من المتخصصين الماليين يبدأون كل عام في مناقشة توقعات النمو الاقتصادي وما يعنيه ذلك للسوق. وطرحت بداية هذا العام آلاف الأمثلة على هذا النوع من المنطق. وعلى ما يبدو أن الملاحظة العالمية في كانون الأول (ديسمبر) 2017 – ليست للمتشائم إدوارد – كانت توقع ارتفاع ناتج الاقتصاد الأمريكي وانتفاع الأسهم الأمريكية.
لكن الغريب في الأمر هو أنه لا تزال توجد بيانات تجريبية في حدها الأدنى تؤيد الفكرة التي تقول إن النمو الاقتصادي هو المحرك الرئيسي لعوائد سوق الأسهم، في الوقت الذي أثبتت فيه معظم الدراسات أن الارتباط ضعيف للغاية في كثير من البلدان.
الدراسات التي تقيم الدليل على ذلك منشورة بشكل مشهور، لكنها لم تفعل شيئا يذكر لتغيير النقاشات اليومية في السوق. إلروي ديمسون، وبول مارش، ومايك ستانتون، وجدوا أن الارتباط بين المعدلات الحقيقية المركبة للعوائد وبين النمو الحقيقي المركب في الناتج المحلي الإجمالي بين عامي 1900 و2011 كان كان سلبيا في 19 بلدا.
أجرى مؤشر "مورجان ستانلي بارا" MSCI Barra بحثا قيم فيه دراسات مختلفة حول هذا الموضوع وتوصل إلى أننا "ربما نظن بصورة حدسية أن عوائد الأسهم نتيجة النمو الاقتصادي الحقيقي الكامن. لكننا لا حظنا أن نمو الأرباح الحقيقي على الأمد الطويل تراجع وراء النمو في الناتج المحلي الإجمالي في كثير من البلدان خلال الفترة موضوع الدراسة".
ربما يكون مفهوما أن كثيرين يظلون يشعرون بالصدمة من فكرة أننا يمكن أن نكون جميعا معتادين على الهوس الشديد بالبيانات الاقتصادية. خصوصا حين يكون لديها ارتباط واه بين ما نريد أن نعرفه وسط المسرح والضجة التي تستثيرها بعض نشرات البيانات الاقتصادية.
هناك افتراض أعمق قليلا يقوم به المتنبئون من الأعلى إلى الأسفل، يشار إليه بشكل عام على أنه "يغلب على سعر السهم أن يعود إلى متوسط سعره على مدى الزمن". فكرة أن الأسهم ذات الأسعار العالية تعود في نهاية المطاف إلى متوسط تقييماتها التاريخية طويلة الأمد هي فكرة يتم اللجوء إليها على أساس يومي من قبل جميع المشاركين في السوق. المعلقون الذين يتابعهم الناس عن كثب يسلطون الضوء على نسبة السعر إلى الأرباح المعدلة دوريا للأسهم ويعلنون أن سوق اليوم إما أنها مكلفة وإما رخيصة وفقا لهذا المقياس.
لكن هذا مبني على افتراض أن جميع الشركات، بشكل أو بآخر، سوف تعود في نهاية المطاف إلى المتوسط.
في بداية هذا العام، جيمس أندرسون، الذي يشارك في إدارة Baillie Gifford Scottish Mortgage Investment Trust، التي هي واحدة من أكبر صناديق الاستثمار، قدم نقدا فاتنا ودامغا للطريقة التي تستخدم بها الصناعة المالية مفهوم عودة سعر السهم إلى متوسطه التاريخي طويل الأمد، إلى درجة أنه طالب بإلغاء شهادة المحلل المالي القانوني التي يحصل عليها كثير من مديري الأموال المحترفين.
وقال في معرض جداله حول فكرة أن أسهم شركات التجزئة الواقعة تحت هجوم من "أمازون"، وهو سهم يمتلكه، سوف تتعافى بمجرد العودة إلى متوسطها التاريخي هي فكرة "مثيرة للضحك".
وأضاف: "الصناعة، والمعلقون، والمشاركون في السوق، لا يتحدثون عن الطريقة التي تعمل بها الأسواق فعلا. الأبحاث الأكاديمية التي شهدناها تبين أنه ليس هناك الكثير من الأسهم التي ترتفع إلى أعلى فعلا على المدى الطويل، وأن أداء الأسواق مدفوع دائما بعدد صغير نسبيا من الأسهم".
حين يتوقف الذين خسروا أموال عملائهم على مدى عقد من الزمن نتيجة التشبث بإيمانهم بالقوة التنبؤية لنسب الأرباح المعدلة دوريا، ويتساءلوا عن موطن الخلل في سلوكهم، ربما يفكرون في أن يتدبروا على الأقل للحظة في انتقاد أندرسون ـ وأنا أراهن أنهم لن يفعلوا.
ليس من المستغرب أن يستمر المتنبئون في فهم الأمور على غير وجهها السليم. لكن الأمر الذي يظل مذهلا هو أن الذين يشككون في الافتراضات التي تقوم عليها نماذجهم الفاشلة باستمرار لا يزالون يعاملون على أنهم متطرفون.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES