تقارير و تحليلات

«دويتشه بنك» يسير على خطى فشل «باركليز» .. وقطر العامل المشترك

 «دويتشه بنك» يسير على خطى فشل «باركليز» .. وقطر العامل المشترك

بعد أن توالت فصول الأزمة المالية العالمية وانهيار مؤسسات مصرفية، بدأت ترتسم ملامح الجهات والدول المشبوهة من هذا التدهور المالي، الذي لحق ببعض البنوك.
فما حدث لبنك باركليز كشف عن دور قطر الخفي، الذي أدى إلى تدهور حالة أكبر مصارف بريطانيا، ويتكرر الأمر مع "دويتشه بنك" فخر الصناعة المصرفية الألمانية، ومن الطبيعي يجب التساؤل عن قطر.
وهناك العديد من أوجه الشبه بين أزمة بنك باركليز البريطاني ودويتشه بنك، الذي تصل قيمة أرصدته الدفترية إلى 1.7 تريليون يورو، أي أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا الذي يقدر بثلاثة تريليونات يورو. لكن تلك القدرات المالية الضخمة لم تحول دون تعرض البنك لخسائر مالية متلاحقة.
وبشكل مماثل فإن بنك باركليز البريطاني الذي تقدر أصوله الدفترية بـ 1.133 تريليون جنيه استرليني، أي أقل قليلا من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة المتحدة الذي بلغ 2.619 تريليون دولار ، تعرض أيضا لخسائر مالية خلال الربع الأول من هذا العام، نتيجة المخالفات التي قام بها البنك في مجال الرهن العقاري، ما ترتب عليه تغريمه ملياري دولار تعويضا للسلطات الأمريكية، إضافة إلى 400 مليون دولار أخرى لمخالفات تتعلق بمدفوعات حماية التأمين.
لكن المفارقة لا تقف عند هذا الحد، وإنما يكمن التساؤل عن دور الأيادي القطرية في البنكين سواء أخذت شكل استثمارات مالية مباشرة أو تعاملات مصرفية.
فقطر تستثمر عدة مليارات في "دويتشه بنك"، تقف في مقدمتها استثمارات لرئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم آل ثاني بنحو ملياري دولار.
في الوقت ذاته لقطر فضيحة مدوية مع بنك باركليز البريطاني، حيث سبق أن وجه مكتب التحقيق بجرائم الاحتيال الكبرى، اتهامات لعدد من كبار المسؤولين في البنك البريطاني، بتهمة الحصول على مليارات الدولارات من "قطر القابضة" المملوكة للحكومة القطرية بطرق غير قانونية قدرت بـ 12 مليار جنيه استرليني، خلال الأزمة المالية عام 2008 لتجنب سيطرة الحكومة البريطانية على البنك، مقابل قرض من البنك لقطر، وتحديدا بمبلغ ثلاثة مليارات دولار استخدمت بشكل مباشر وغير مباشر لشراء أسهم في باركليز.
وكان البنك بذلك يتجنب قبول الدعم الحكومي البريطاني، لأنه يعني المزيد من الرقابة الحكومية على عمله، وتقييد المبالغ التي يتلقاها كبار المديرين خلال فترة الأزمة.
وقال لـ"الاقتصادية" بن داوف خبير مصرفي "استثمارات قطر سواء في بنك باركليز أو "دويتشه بنك" ترتبط بالمفهوم السائد في استثمارات قطر الخارجية خاصة في أوروبا، حيث إن البعد عن الشفافية قدر الإمكان، والعمل في المناطق الاستثمارية المظلمة والمشبوهة بدعوى أنها أكثر ربحية، يعد حجر أساس في عمل الدولة القطرية أو استثمارات كبار رجال السلطة هناك".
وأشار إلى أن الأمر لا يعتمد على اقتناص فرص للربح، بقدر ما يعود إلى مخالفات قانونية كما حدث في باركليز، أو شكوك البعض بأن يكون الهدف من الاستثمار في "دويتشه بنك" يعود إلى رغبة الدوحة في شراء مواقف سياسية، خاصة أن البنك يعد تقريبا المصرف شبه الوحيد للتجارة الخارجية في ألمانيا.
ولسنوات طويلة ظلت أنظار الخبراء المصرفيين والاقتصاديين تتجه صوب المخاطر المحيطة بالنظام المصرفي الإيطالي، وظل القلق ينتابهم بشأن احتمال انهياره، وإفلاسه نتيجة تراكم الديون المعدومة، وهو ما يعني في حال حدوثه وقوع كارثة مالية لمجمل بلدان منطقة اليورو.
لكن من الواضح الآن بالنسبة لكثير من الخبراء، أنهم كانوا ينظرون طوال تلك السنوات في الاتجاه الخاطئ، وأن الكارثة إذا وقعت فربما يكون مصدرها ألمانيا وتحديدا "دويتشه بنك"، أحد أكبر البنوك الألمانية وأكثرها عراقة.
فالبنك ونتيجة سنوات من سوء الإدارة والخسائر المالية المتعاقبة، بات في وضع لا يحسد عليه، حيث إن التخبط وتعدد الاستراتيجيات وسرعة تبدلها أحد ملامحه الرئيسية، وعلى الرغم من أنه لا يزال يثبت تماسكه حتى الآن، إلا أن بعض الخبراء المصرفيين البريطانيين يعتقدون أن التماسك زائف إلى حد كبير، وأن مصير البنك في نهاية المطاف الانهيار، ما لم تتدخل الحكومة الألمانية لإنقاذه.
وتكشف نتائج الربع الأول من العام الجاري، التي جاءت مخيبة للآمال حجم المشكلة التي يعانيها البنك، فإدارته أخطأت في تقديراتها للإيرادات والأرباح المتوقعة.
ونتيجة لذلك انخفضت قيمة سهم دويتشه بنك بنسبة 4.2 في المائة ليبلغ إجمالي انخفاضها خلال عام نحو 28 في المائة.
وتشير الأرقام المعلنة من قبل كريستان سوينج الرئيس التنفيذي الجديد إلى أن دخل البنك قبل خصم الضرائب بلغ 432 مليون يورو في الربع الأول مقابل 878 مليون يورو في الربع الأول من عام 2017، وبلغ الدخل الصافي 120 مليون يورو مقابل 575 مليون يورو خلال الفترة نفسها من العام الماضي، وانخفضت الإيرادات بشكل طفيف نتيجة التغيرات في أسعار الصرف، إذ بلغت في الربع الأول من العام الجاري سبع مليارات يورو بانخفاض 5 في المائة عن الفترة نفسها من العام الماضي.
ولا شك أن تلك الأرقام تكشف حجم المشكلة التي يواجهها "دويتشه بنك"، التي أدت به إلى الإطاحة برئيسه التنفيذي البريطاني الجنسية جون كريان أوائل الشهر الماضي، نتيجة الخسائر المتواصلة لسنوات، وذلك على الرغم من أن عقده ينتهي عام 2020، وتعيين كريستان سوينج رئيسا تنفيذيا جديدا.
والسؤال الذي يدور في الأروقة المصرفية حاليا، هل لا يزال "دويتشه بنك" أكبر مشكلة تقلق النظام المالي الدولي؟ أم أن البنك وعلى الرغم من التحديات التي يواجهها قادر على التغلب عليها؟
كوك كليف الخبير المصرفي والاستشاري في مجموعة نت ويست المصرفية يعتبر أن البنك الألماني يعاني عددا من المشاكل التنظيمية تعود إلى ما قبل الأزمة المالية لعام 2008.
وقال لـ"الاقتصادية"، إن محاولات الإصلاح التي ركزت على خفض التكاليف عبر إنهاء التعاقدات مع آلاف الموظفين لم تحقق المستهدف منها، وذلك بسبب تراجع إيرادات وأرباح قسم الخدمات المصرفية الاستثمارية، الذي يمثل أكثر من نصف المبيعات، كما أن المخالفات القانونية التي وقع فيها البنك كبدته خسائر مالية ضخمة، إذ دفع مبلغ 7.2 مليار دولار أمريكي إلى السلطات الأمريكية عام 2016 لتورطه في مخالفات في الرهن العقاري.
مع هذا يعتقد كوك كليف أن تغيير الرئيس التنفيذي للبنك، ينهي حالة عدم اليقين التي هيمنت على مسيرته نتيجة الخسائر التي تعرض لها في الآونة الأخيرة، والتي أعلن التقرير السنوي له والصادر في شهر شباط (فبراير) الماضي، أنها بلغت 500 مليون يورو عام 2017، و1.4 مليار يورو عام 2016 و6.8 مليار يورو عام 2015، وأن تبني استراتيجية أكثر ملاءمة للبيئة السوقية الراهنة ربما يفتح آفاقا جديدة للبنك قد تحد بشكل فعال من خسائره.
المراهنة الحالية للبنك هي نجاح الرئيس التنفيذي الجديد، ونظرا لخلفيته المصرفية في مجال مخاطر الائتمان والخدمات المصرفية التجارية، في تحريك الخدمات المصرفية والاستثمارية للأمام، وهو ما قد يعني المزيد من التركيز على الأسواق المحلية، والتركيز على الأعمال المصرفية التجارية والأفراد وإدارة الثروات، والانسحاب من المناطق التي لا يحقق فيها البنك الربحية الكافية، وهو ما قد يخلق ضغوطا كبيرة على وجود المصرف في لندن، حيث يتركز معظم نشاطه المصرفي الاستثماري.
لكن تلك المراهنة لا تخلو من ملاحظات جديرة بالاعتبار، حيث تعتقد الدكتورة فران ماير أستاذة النقود والبنوك، أن حجم الضغوط التي يتعرض لها البنك من المساهمين نتيجة خسائره المستمرة قد تتسبب في انهياره.
وأكدت لـ"الاقتصادية"، أن دعوة البنك للمستثمرين بالتحلي بالصبر في ظل ما يتعرض له من خسائر، تكشف عن حجم الضغوط التي يتعرض لها، وعلى الرغم من أن مجلس الإدارة يجد في تراجع خسائره من عام إلى آخر دليلا على تحقيق تقدم، إلا أن عدم رضا المساهمين قد يعني الضغط لإعادة هيكلته من جديد في محاولة لإخماد الحريق الراهن وغضب المستثمرين، كما أن عملية إعادة الهيكلة عملية ضخمة ومعقدة ومكلفة وطويلة وتستغرق سنوات، وستتطلب إدماج بعض الوحدات المصرفية وبيع البعض الآخر، إضافة إلى البيع الجزئي لوحدة إدارة الأصول، لكن نفاد صبر المساهمين يطرح إمكانية انسحاب كبارهم ومن ثم سقوط البنك وانهياره.
ويبدو أن القناعة السائدة حاليا بين كثير من الخبراء المصرفيين، أن عدم الكفاءة المستشري في البنك، عامل أساسي وراء المصاعب التي قد تقضي عليه، حيث نشر موقع بلومبرج المتخصص في عالم المال والأعمال خبرا مفاده أن "دويتشه بنك" حول عن طريق الخطأ مبلغ 28 مليار يورو إلى شركة مدرجة في البورصة، وقد أكد البنك الخبر في وقت لاحق.
ورغم أن البنك أقر بوقوع الخطأ، وأشار في بيان له أنه تم تداركه وإصلاحه دون وقوع خسائر مالية، إلا أن الخطأ في حد ذاته يطرح تساؤلات حول قدرة البنك على إدارة رؤوس أموال المستثمرين والمساهمين بكفاءة.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من تقارير و تحليلات