FINANCIAL TIMES

دع عنك الثيران والدببة .. المستثمرون إما ثعالب وإما قنافذ

دع عنك الثيران والدببة .. المستثمرون إما ثعالب وإما قنافذ

مع الثيران (المتفائلين) والدببة (المتشائمين) والأرانب البرية، والسلاحف، والنعام، والقطط الميتة التي تعود إلى الحياة مؤقتا (الأسواق التي يستمر هبوطها طويلا، ثم ترتفع قبل أن تعود للهبوط مجددا)، فإن عالم الاستثمار مليء بالتشبيهات الحيوانية.
ثمة تشبيه حيواني آخر غير معروف على نطاق واسع، لكنه مثير، يتعلق بالتمييز بين القنافذ والثعالب. الفيلسوف إشعيا برلين قسم مفكري التاريخ العظماء إلى قنافذ وثعالب، مستلهما قول الشاعر اليوناني أرخيلوكوس: "الثعلب يعرف الكثير، لكن القنفذ يعرف شيئا واحدا ومهما".
ينظر القنفذ إلى العالم من خلال فكرة واحدة عظيمة، في حين يعتمد الثعلب على مجموعة واسعة من الخبرات والتأثيرات التي تقدم رؤية دقيقة للعالم. ووصف برلين كلا من أفلاطون ودانتي بأنهما من معسكر القنافذ، في حين وضع شكسبير وجيمس جويس في معسكر الثعالب.
وكلا النوعين من الحيوانات يمكن العثور عليهما في عالم الاستثمار. تبحث الثعالب حولها عن أفكار مختلفة، لمعرفة أوجه القصور بغية استغلالها. وغالبًا ما تكون المرونة، والسرعة، والتوقيت أمورا أساسية. في الوقت نفسه، لدى القنافذ فلسفة استثمار محددة وواضحة، وهي تستثمر وفقا لذلك.
يميل مديرو الصناديق من القنافذ إلى أن يكونوا مثالا لمندوبي التسويق، أو العلاقات العامة، أو مندوبي المبيعات. فلسفتهم الاستثمارية واضحة وغير متغيرة وسهلة التفسير وفي النهاية يمكن بيعها. يمكن أن يكونوا واضحين جدًا ومقنعين في تفسير لماذا فكرتهم العظيمة هي فكرة جيدة. وتميل وسائل الإعلام إلى تفضيل القنافذ ـ وكذلك مستثمرو التجزئة (الذين يشترون الأوراق المالية لحسابهم الخاص وليس لحساب مؤسسة). فهم يملكون القدرة على الإقناع والتوضيح، وفي حال فعلوا ذلك على الوجه الصحيح، النتائج يمكن أن تكون مذهلة. يأتي القنافذ مع القصص الملهمة وجميعنا يحب القصص. (ومن بين القنافذ تتبادر إلى الذهن أسماء مثل نيك ترين، من "ليندسيل ترين"، وتيري سميث، من "فندسميث").
في الجانب الآخر، تميل الثعالب إلى أن تكون عسيرة الفهم. فهم لا يهدأون لفترة كافية بحيث يتمكن معظم الناس من معرفة ما يفكرون فيه. بالتأكيد سيقدمون للمستثمر عروضا واضحة ومفصلة عن المحفظة وعن آخر عمليات البيع والشراء، مع التأكيد على أن قراراتهم دائمًا ما تتبع عملية واضحة تتسم بأنها متسقة وقابلة للتكرار. لكن بشكل عام ليست لديهم الجاذبية الواضحة التي يتمتع بها المستثمرون القنافذ.
في السنوات الأخيرة شهدت جاذبية الحلول الدفاعية التي تستخدم في أوقات الأزمات ازدهار قنافذ نوعية، مثل سميث وترين. لكن مع وضع وكلاء السندات الكلاسيكية تحت الضغط (ريكيت بينكيزر مثال جيد في هذه النقطة)، يعود التضخم إلى المقدمة وترتفع عائدات السندات، بالتالي الجاذبية النسبية لهذا الجزء من السوق تصبح مشكوكا فيها.
بالطبع، لا تزال هيئة المحلفين غير قادرة على التوصل إلى قرار فيما يخص تحديد متى، وكيف، وحتى ما إذا كان التحول إلى الأجزاء الأكثر دورية في السوق سيكون فاعلا أم لا. لذلك كثير من "الأمور الجيدة" يتم احتسابها مسبقا في الأسواق، بدءا من برنامج التسهيل الكمي وصولا إلى الإصلاحات الضريبية الأمريكية وانتعاش الاقتصاد العالمي. ومع وصول موسم الأرباح إلى ذروته سينصب التركيز على أخبار شركات محددة - وغالبا ما يكون رد فعل السوق مبالغا فيه إزاء تلك الأنباء.
وبما أننا اقتربنا أكثر من نهاية تلك الدورة، فقد يكون أداء الثعالب جيدا، باستغلالها أوجه القصور والعثور على صفقات، أو على الأقل تلك الأوراق المالية التي يمكن أن يكون أداؤها أفضل من أداء المعايير. ويمكن اعتبار إيان هيسلوب، مدير صندوق أولد ميتشوال جلوبال إيكويتي فند Old Mutual Global Equity Fund، ثعلبا تقليديا. بدلا من الالتزام بالنمو أو تقييم الأسهم، يستخدم هيسلوب وفريقه مجموعة متنوعة من الأساليب والأنماط ويتبعون مواضيع متعددة، لضمان تغطية جميع الأنماط الاستثمارية المختلفة التي يمكن أن يتفوق أداؤها في ظروف السوق المختلفة.
إنهم لا يبحثون عن أي توقعات، لا توجد "أفكارعظيمة" هنا. بدلا من ذلك "يتتبعون الأموال"، في محاولة منهم لفهم نوع الأسهم التي ستتفوق في أدائها. ويتم تشغيل هذه العملية من خلال محرك كمي، ثعلب دقيق كالساعة، إذا أردت. ويفتخر صندوق أولد ميتشوال بأداء ممتاز ومتنوع للغاية، إذ تجاوز عدد الأسهم فيه 450 سهما في نهاية عام 2017. وهو وراء إحداث ثغرة في الاعتقاد الخاطئ الشائع الذي مفاده أنه من أجل تقديم الإدانة (بمعنى أن تكون قنفذا حقيقيا)، تحتاج للحصول على محفظة استثمارية مركزة.
جيريمي بودجر، وهو مستثمر مخضرم في مجال الأسهم العالمية ـ أصفه أيضا بأنه مستثمر ثعلب نظرا لمنهجه المرن ـ يوضح الفكرة التي مفادها أن كثيرا من الأسهم يمكن أن تخدع المستثمرين، إلا أن التركيز في حد ذاته ليس محددا للأداء. يقول: "يربط الناس التركيز بالقناعة، لكن هذا في الحقيقة مصطلح عاطفي. المفتاح هو اتخاذ القرار المناسب".
أنا أميل للاتفاق مع ذلك. يتعين على مديري الصناديق النشطة أن يكونوا ناقدين ومفكرين انتقائيين ومتواضعين بشأن قدرتهم على التنبؤ، وسريعين في الاعتراف بأخطائهم ومستعدين لتجديد معتقداتهم عندما تتغير الحقائق.
يمكن أن يكون النقاش بين الثعلب والقنفذ عملية فكرية مشوقة، مع أني أحذر من تطبيقه من قرب. سيستقر معظم المستثمرين في مكان ما بين هاتين الفئتين. لا يمكن لأحد أن يكون ثعلبا ناجحا على المدى الطويل من دون أن تشتمل فلسفته على بعض الوضوح الذي لدى القنافذ. كذلك القنفذ الذكي يتبني بعض الخصائص التي لدى الثعالب، مع إدراك متى تتعارض محركات السوق مع فلسفته ومن ثم العمل على الحد من المخاطر داخل المحفظة. القنفذ العنيد هو الذي لا يعترف بالتغيير الهيكلي ـ غالبا ما يدعو عصر التعطيل الرقمي إلى المرونة وطريقة التفكير الدقيقة التي يتحلى بها الثعلب.
تقول عائشة أكبر، وهي مديرة أموال في "فيديليتي"، إن اختيار مديري الصناديق المناسبين يتطلب منك أن تؤمن بأن أداءهم سيكون جيدا. ولإنجاز ذلك تحتاج، بوصفك مستثمرا، إلى فهم موقعك في الدورة. وبالنظر إلى التشوهات الناشئة عن التسهيل الكمي وغير ذلك من "الإجراءات الخاصة"، فإن قول ذلك أسهل من فعله. في النهاية، تحتاج إلى نظرة واضحة وفي الوقت نفسه إلى فهم تفاصيل عملية الاستثمار الخاصة بالمدير.
اتخاذ المخاطر يعود بنتائج جيدة في الجزء الأول من الدورة، عندما يكون النمو آخذا في التحسن. وتعمل قطاعات النمو، مثل التكنولوجيا، بشكل جيد مع استقرار النمو الاقتصادي، بينما تحقق قطاعات الطاقة والمواد أداء جيدا في الفترة المؤدية إلى نهاية الدورة، تزامنا مع ارتفاع التضخم وتراجع النمو. في مثل تلك الأوقات، التمييز بين القنفذ والثعلب يمكن أن يساعد، وإن كان من الإنصاف القول إنهما ليسا الحيوانين الوحيدين في مملكة الاستثمار.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES