FINANCIAL TIMES

التدريس يغير الشخصية إلى غير رجعة .. نحو الأفضل

التدريس يغير الشخصية إلى غير رجعة .. نحو الأفضل

"الكل يكرهك يا آنسة" قال الصبي البالغ من العمر 11 سنة الذي كنت أدرسه منذ بضعة أسابيع. "نحن سعداء للغاية لأنك ستذهبين. نريد أن يعود ’ديبلوس‘".
بعد فصلين دراسيين كمعملة متدربة، أصبحت معتادة على سماع تعليقات صريحة، لكن هذا التعليق لا يزال يؤلمني.
للمرة الثانية فكرت في البكاء. تدريب المعلمين قاس للغاية حيث إنه يهدف إلى جعل كل شخص ينتحب بصوت عال - ومع ذلك فإنني لم أذرف دمعة واحدة حتى الآن، وحريصة على إبقاء الوضع على هذا النحو. ابتلعت تعليق الصبي وحاولت رؤية الأمر من وجهة نظره.
الكراهية كلمة قوية، ولكن لو كنت مكانه، فإنني سأفضل أيضا أن يكون ديبلوس، وهو دينامو يبلغ من العمر 26 عاما ومدرس مادة الرياضيات، أكثر من الآنسة كيلاواي، وهي متدربة مرتبكة ذات شعر أشيب وبصوت أنيق جدا إلى درجة أن أحد الطلاب سألها: "آنسة، من أين أنت؟"
على الرغم من أن بعض التلاميذ قد يبتهجون برؤيتهم لي وأنا أغادر المكان، إلا أنني أشعر بالحزن لأنني تركت مدرستي التدريبية الثانية. يعمل المدرسون المتدربون في مدرستين مختلفتين، وكانت مدرستي الثانية مكانا ممتعا حيث عقدت خلال ستة أسابيع صداقات قوية مع الموظفين الشباب، وأحببت الأطفال الجريئين أكثر مما كان هذا الحب متبادلا بالمثل.
أنا الآن في ثلثي الطريق لإكمال عام التدريب المقرر لي وما زالت درجتي حول نفسي متباينة. الخبر السار هو أنني لا أزال راغبة في مواصلة التدريب. على الرغم من أنني غالبا ما أذهب إلى الفراش في الساعة الثامنة والنصف مساء، وأنا أشعر بأنني نصف ميتة، إلا أنني أثناء ساعات الاستيقاظ، أكون أكثر حيوية مما شعرت به منذ عقود.
من المعروف أن هذه المهنة مرهقة، ولكنها مرهقة بطريقة غريبة. الساعات التي نقضيها فيها ليست أسوأ من معظم الوظائف المهنية، ولكن كل ثانية فيها تكون بحيوية فائقة. في حياتي القديمة، كنت أهدر الساعات في تصفح الإنترنت، ما جعلني أشعر بالضيق والتبرم. الآن أنظر إلى فترة خمس دقائق قبل الدرس على أنها واحة من وقت الفراغ - وطويلة بما فيه الكفاية للقيام ببعض الطباعة، والذهاب إلى الحمام وحساب نصف نقاط سلوك الطلاب في النظام. المكافأة على هذه الجهود المكثفة هي أن اليوم يبدو وكأنه انتهى بعد 20 دقيقة منذ أن بدأ.
إضافة إلى البقاء (الذي أحسبه انتصارا)، فأنا جيدة أيضا بشكل إيجابي (أو على الأقل أتحسن) في أشياء مختلفة. أتعلم الأسماء بسهولة وأتحدث مع الطلاب بلطف. بدأت أفهم استخدام التكنولوجيا، ولم تعد تخيفني نزوات آلة النسخ، والسبورة البيضاء، والتقاط صور لشاشة الكمبيوتر.
وبالمثل، تحولت أعمالي على السبورة من كارثة إلى جيدة نوعا ما. الطريقة التي أكتب بها المعادلة الآنية هي شيء من الجمال.
الخبر المخيب للآمال هو أنني لست قريبة ولو من بعيد من أن أكون المدرسة الجيدة التي أريد أن أكون عليها، أو ظننت أني سأكون عليها. ما زلت أتحدى قراء صحيفة "فاينانشيال تايمز" الذين أرسلوا لي رسائل عبر البريد الإلكتروني قبل 18 شهرا، عندما أعلنت أنني سأغادر الصحافة لأقول: يا لهم من أطفال محظوظين، ستكونين معلمة رائعة.
في ذلك الوقت، كنت بيني وبين نفسي أتفق معهم. كان تحليلي هو أني سأكون معلمة بالفطرة لأنني أحب الأداء. أنا أتمتع بالصلابة. وأحب المراهقين. وأحب الرياضيات. وأهتم بالحراك الاجتماعي. وأحب روتين المدارس. وأنا مخيفة، لذلك لن يكون الانضباط مشكلة. ماذا كان هناك غير ذلك؟
اتضح أن هناك الكثير الكثير من الأمور الأخرى.
بداية، الحفاظ على النظام أصعب بكثير مما كنت أعتقد. في مدرستي الأولى، كانت القواعد صارمة للغاية لدرجة أن وضع الأيدي في الجيوب كان يعتبر سلوكا سيئا. في المدرسة الثانية، كان لدى الأطفال المزيد من الحرية. والبعض منهم يستخدمها بطريقة عتيقة - من خلال رفض التعاون مع المعلمين المتدربين.
جاءت لحظة هبطت فيها روحي المعنوية بعد درس فوضوي كتبت خلاله قائمة طويلة على السبورة، لأسماء أكثر الطلاب الذين تجاهلوا تعليماتي بشكل صارخ. عند مغادرة الفصل، أحدهم مسح السبورة بالكامل حين لم أكن أنظر إليه، ما يعني أنه لم يحصل أي منهم على العقاب الذي يستحقه (وهو البقاء في المدرسة لفترة معينة بعد انتهاء الدوام).
يطلب مني مرار وتكرارا أن أكون ثابتة على سلوكيات معينة. هذا ليس سهلا. الذي يحدث هو أن أقول: "اعملوا في صمت!" ثم فجأة أجد نفسي أتخذ إجراءات صارمة بطريقة عشوائية وغير عادلة تماما، بشأن الثرثارين الذين يتجاهلون النظام. وعندما يكون نصف ذهني مشغولا بأخذ الحضور والغياب، أو مساعدة الطلاب المتعثرين في حل مسألة معينة، من الصعب معرفة من هم زعماء العصابة.
على أية حال، التصرف بطريقة ثابتة أمر غريب بالنسبة لي. لم أتمكن من إتقانها قط كأم، وكنت أقول دائما: لا، لا، لا، لا، لا، بالله عليكم. طيب لا بأس. وبالمثل لم أكن ثابتة على سلوكيات معينة حين كنت كاتبة عمود. لم أكن أرى ذلك على أنه فضيلة؛ عدم القدرة على التنبؤ كان أكثر إثارة للاهتمام بكثير.
الآن أنا أتعلم قيمة استخدام الكلمات نفسها بالضبط وأتعمد أن أقول "ضعوا الأقلام خلال خمس، أربع، ثلاث، اثنين، واحد" بدلا من: " خمسة، أربعة، ثلاثة، اثنان، واحد، ضعوا الأقلام" لئلا يختلط الأمر على الأطفال.
أنا أيضا يتوه ذهني باستمرار. أحيانا أحضر أوراق العمل غير الصحيحة، أو أنسى تقديم الإجابات إلى الطلاب أثناء النشاط الصفي. والحقيقة هي أنه في مكان ما عميق في شخصيتي، أنا مهملة. يمكنني إخفاء ذلك كصحفية - لكن ليس كمعلمة.
كل يوم يقدم مجموعة مذهلة من المعنويات العالية والمنخفضة. قبل ساعتين من لقائي المؤلم مع الصبي البالغ من العمر 11 سنة، ألقيت درسا حول النسبة إلى طلاب صفي الذين هم بعمر عشر سنوات. كلهم قاموا بما طلبته منهم! يبدو أنهم جميعا فهموا الدرس! وعملوا في صمت! وأتموا جميع الأعمال التي خططتها لهم! كان النموذج الذي قدمته على السبورة أنيقا!
بعد الدرس قلت في نفسي ما شاء الله. استطعت فعلا أن أتوصل إلى جوهر التدريس.
أحاول أن أتعلم أن كل المعنويات العالية والمنخفضة هي مجرد ضوضاء حول اتجاه طويل الأجل يتحسن ببطء شديد. وهذا منطقي. لا نتوقع أن يكون الأطباء المتدربون بمستوى جيد بعد سبعة أشهر. فلماذا نتوقع أن يكون المعلمون كذلك؟
قمت لتوي بإعادة قراءة المقال الذي كتبته لصحيفة فايننشال تايمز بعد مرور أول نصف فصل لي كمعلمة متدربة. قلت فيه إنني شعرت كما لو كنت في بداية علاقة غرامية، توقظني في الساعة الخامسة صباحا وتجعلني أفكر في التدريس في كل دقيقة من اليوم. انتهت تلك المرحلة المبكرة. لم أعد أستيقظ في الخامسة صباحا. الغدة الكظرية لدي تحت السيطرة. لا تزال تفرز بشكل مقبول أثناء الدروس، لكنها تتركني لشأني خلاف ذلك.
لا أفكر في التدريس في كل لحظة استيقاظ. يمكنني حتى إيقاف التفكير بذلك ومشاهدة التلفاز.
أفضل ما في الأمر هو مدى جودة أداء زملائي في برنامج Now Teach، حيث إن الأمر برمته كان فكرتي – إيجاد المؤسسة الخيرية التي تحول المهنيين الكبار في السن إلى مدرسين متدربين في مدارس صعبة، فأنا أشعر بالمسؤولية تجاههم جميعا.
كمجموعة، حققوا نجاحا باهرا من حيث قدرتهم على الاستمرار. عندما قابلتهم قبل أسبوعين، تمكنت من قراءة الصلابة على وجوههم. التدريس يغير شخصياتنا إلى غير ما كانت عليه، ولكن أساسا بطريقة جيدة.
قال محامي شركات سابق صاحب شخصية تنافسية إنه يعتقد أن الإذلال الذي يواجهه المعلمون الجدد يجعله شخصا ألطف من قبل. تقول امرأة أخرى إنها لأول مرة في حياتها العملية، بغض النظر عن مدى التعب الذي كانت عليه في المساء، كانت تنعم بشعور غير مألوف لانتهائها من يوم عمل مخلص.
استقال أربعة من الأشخاص الـ 46 الذين كانوا معنا في الأصل، معظمهم نتيجة السبب في أنهم توصلوا إلى أنهم لا يحبون التدريس بما يكفي ليعانوا حالات الدمار. قال أحدهم إنه بعد حياة طويلة في عالم الشركات أقيمت حول العمل الجماعي، شعر بالوحدة في فصل دراسي.
أتساءل ما إذا كان هذا أكثر من أي شيء آخر هو الذي يميز الأشخاص المناسبين للتعليم من الذين ليسوا كذلك. عندما أكون في فصل دراسي مكون من 30 مراهقا ومراهقة، أشعر أحيانا بأني مغلوبة على أمري. وفي بعض الأحيان أشعر أني محاصرة. وأحيانا بالرفعة. الشيء الوحيد الذي لم أشعر به لثانية واحدة هو الوحدة.
هناك خيبة أمل كبيرة واحدة حتى الآن. كنت آمل أن أتمكن بطريقة ما من تقديم تجربتي في العالم الخارجي لتلاميذي. مع الأسف وجدت أن تعليم جداول التكرار التراكمي يتطلب الكثير من المجهود، حيث إنه لا يترك مجالا كبيرا للذكريات حول عالم الشركات.
كان إنجازي الوحيد هو تعليم فئة من الأطفال في سن 15 سنة كيفية المصافحة بشكل صحيح – رتبتهم في صف خارج الفصل الدراسي، وجعلتهم يدخلون الصف بعد مصافحتي بالمقدار المناسب من الضغط على اليد.
الذين ضغطوا على يدي بقوة كبيرة أو بشكل خفيف فوق الحد اضطروا إلى الوقوف بالصف للقيام بذلك مرة أخرى.
شاركت أيضا في معرض للمهن في مدرستي الأولى، وأعددت كشكا للصحافة باعتباري صحافية (سابقة) في منافسة مع محامين ومهندسين معماريين وأطباء. الأطفال في الخامسة عشرة من العمر يتنقلون هنا وهناك لمعرفة المهن المختلفة. لم يأت أحد لرؤيتي.
كان هذا أمرا محزنا نظرا للمزيج العنصري المتنوع للمدرسة - ومعظمهم من غير البيض - الصحافة من البيض بشكل ساحق.
في نهاية المطاف جاء بعض المتشردين للتحدث، وحدثتهم عن المتعة التي كانت لدي، عندما كنت أجري مقابلات مع أشخاص مشهورين على الغداء في مطاعم راقية وما كان عليه الأمر عند لقاء راسل براند. في نهاية الحديث قالت لي إحداهن: "لماذا أنت معلمة الآن يا آنسة؟" قلت لها، لأنني أريد أن أكون مفيدة. أود تعلم أشياء جديدة. وأحب قضاء وقتي مع أشخاص من أمثالك. نظرت الفتاة إلي بشكل يدل بوضوح على عدم التصديق. لا أعتقد أنني نجحت في إقناعها بأن تكون صحافية. الحقيقة هو أنني نجحت في إقناعها بأنني قد فقدت عقلي تماما، فحسب.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES