Author

كيف نجعل «القدية» أداة لتغيير بعض السلوكيات؟

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا


دشن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، السبت الماضي، مشروع "القدية"، الوجهة الترفيهية والرياضية والثقافية الجديدة في المملكة، على مساحة تزيد على 300 كيلو متر مربع قرب المزاحمية، أي في الجهة الجنوبية من غربي الرياض. ويتوقع الانتهاء من المرحلة الأولى بعد أربع سنوات من الآن.
ضخامة مساحة المشروع تتيح الفرصة لتحقيق ثلاثة أهداف:
الأول، تنويع واسع وبحجم كبير للأنشطة التي تقام فيه، وتشغيلها وفق معايير عالية الجودة. ومفترض أن تعمل خطط جيدة لجعل الاعتماد في تشغيل "القدية" على مواطنين عبر مسارين: إكسابهم مهارات وخبرات متنوعة جدا، وتوظيفهم في مختلف النشاطات والمهن في المشروع، بأقصى قدر ممكن. تطوير السياحة الداخلية ينبغي أن يصب في جهود تعميق تنويع مصادر الدخل وتوفير فرص عمل وتوظيف للشباب.
الثاني، جذب عدد كبير من سكان الداخل لقضاء أوقات في "القدية". ويعتمد مدى نجاح الثاني على كيفية تحقيق الأول.
يتخوف كثيرون من أن النشاط السياحي والترفيهي ينشط في مواسم الإجازات أكثر من المواسم الأخرى. لكنه، يبدو لي أن التخوف من موسمية النشاط مبالغ فيه، بالنظر إلى أن عدد السكان المستهدفين كبير. وبالنظر إلى أن البيانات تشير إلى أن إنفاق السعوديين على السياحة والترفيه مرتفع، سواء في الداخل أو الخارج.
الثالث، جعل "القدية" أداة لتغيير سلوكيات مجتمعية غير مرغوب فيها. سلوكيات بقاؤها يضعف طموحات "الرؤية" لتنمية وتطوير الاقتصاد الوطني دون اعتماد قوي على دخل النفط. وهذا الثالث موضع اهتمام بقية المقال.
لا شك أننا نرغب في ازدهار اقتصادنا دون اعتماد قوي على النفط. وهذا الازدهار لا يحدث هكذا من تلقاء نفسه، بل له - بعد توفيق الله - أسباب وعوامل قوة، كما أن هناك عوامل تعمل على إضعافه. من هذه العوامل، نمط سلوكيات أفراد المجتمع.
يبدو أن سلوك بعض الأفراد "ودون نكران لمعوقات أخرى" مصدر إشكال وإزعاج. بعضهم يتصرف تصرفات مستهجنة تنم عن قلة وعي، ولا تكترث كما ينبغي بحقوق وسلامة الآخرين. وقد عقد قبل سنوات ملتقى السفر والسياحة السعودي. ومن تصفح برنامج الملتقى، لاحظت خلوه من مناقشة المشكلات والتحديات ذات الطبيعة الاجتماعية.
قيادة السيارات في شوارعنا مثال صريح. وقد قيل: إذا أردت أن تحكم على مستوى رقي شعب، فانظر إلى طريقته في قيادة السيارة.

ما الحل؟
أرى أنه يجب أن تتبنى الجهات الحكومية تعليمات واضحة للمستثمرين وللسائحين: ما يسمح به وما لا يسمح به، وتعتمد من سلطة عليا. ثم الحزم في التطبيق دون تفريق.
ومن المهم وجود قوى بشرية قادرة على فرض الانضباط في السلوك، بما يتفق مع الآداب العامة، وفرض احترام حقوق الآخرين، والمحافظة على سلامة الممتلكات ونظافة المكان.
تبعا لذلك، يكون تدخل الجهات المسؤولة عن ضبط سلوك الناس مستندا إلى تعليمات محددة واضحة. ويجب التأكد من حصول منسوبي تلك الجهات على تدريب وفهم قوي لتلك التعليمات، ومهارة عالية في كيفية تطبيقها على الناس، طبعا من المهم التوازن بين تحفيز الاستثمار السياحي، والمحافظة على أمن وسلامة المجتمع. ثم الحزم في التطبيق دون تفريق.
نطمح أن تكون قيادة السيارات والحركة المروية داخل "القدية" نموذجا للارتقاء بالسلوك المروري في بلادنا. وفي هذا أقترح نقاطا:
1. تجهيز تعليمات واضحة جدا وبطرق شيقة تنشر عبر وسائل تواصل وإعلام متنوعة، تبين السلوكيات الممنوعة في القدية، مثل تجاوز السرعة وعدم ربط الحزام والوقوف الخطأ.
2. تغطى كل "القدية" بكل شوارعها بنظام مراقبة، مثل ما يسمى "ساهر".
3. وضع علامات تحديد السرعة في كل شارع مهما كان صغيرا. ويحزم في تطبيق الالتزام بها.
4. توفير أرصفة مشاة تتفق مع معايير السلامة في كل شارع مهما كان صغيرا.
5. يجب أن يكون العاملون في "القدية" قدوة للزائرين.
طبعا مشكلة السلوك ليست المشكلة الوحيدة. لدى الناس صورة نمطية عن السياحة الداخلية أو المحلية بأن منتجاتها وعروضها غالية ودون المستوى. لكني أتوقع أن يسهم مشروع القدية بعد تشغيله في تغيير الصورة النمطية تلك.

إنشرها