FINANCIAL TIMES

الرأفة واللين مع قادة الشركات أمر يسيء للرأسمالية

الرأفة واللين مع قادة الشركات أمر يسيء للرأسمالية

في صيف عام 2012، بعد فترة وجيزة من الكشف عن فضيحة " ليبور" التي أسدلت الستار على عهد بوب دياموند في بنك باركليز، أصدر رئيس سابق لهذا المصرفي اعترافا مثيرا بالذنب بخصوص دوره في صعود دياموند المثير للجدل.
تعود تلك الأحداث إلى عام 1998، حين سجل باركليز خسائر في الديون الروسية خلال أزمة الروبل الروسي. حدثت الخسائر بسبب سلوك وحدة الدخل الثابت في "باركليز كابيتال"، التي أنشأها دياموند – وكان حينها قد تم تعيينه حديثا، قادما من كريدي سويس. مارتن تايلور، الرئيس التنفيذي لباركليز في ذلك الوقت، وجد أن المتداولين في باركليز كابيتال تعمدوا تجنب الحدود الصارمة للمراكز التي وضعتها المجموعة، بتسجيلهم الديون الروسية بشكل مزيف على أنها سويسرية أو أمريكية.
تم فصل المتداولين على الفور بسبب دورهم في الاحتيال، لكن رئيسهم (الذي ادعى أنه لا يعرف شيئاً) نجا حتى من لسع التوبيخ. وكتب تايلور: "توصلتُ إلى أن القسم الذي كان في بداياته (وهي الحال التي كان عليها قسم باركليز كابيتال) سينهار من دونه وأنه يجب أن يبقى".
لاحقًا ندم تايلور على إيمانه بـ "خرافة" أن دياموند لا يمكن الاستغناء عنه، ولأنه لم يحمله المسؤولية عن سلوك القسم الذي أنشأه. مع ذلك، تايلور ليس هو الحالة الوحيدة على الإطلاق التي تشي بالتهاون والرأفة التي هي في غير محلها في عالم الشركات. وحين يطلب من مجالس الإدارة وضع سلوك زعماء الشركات في الميزان، فإنها في الغالب أن تميل إلى التساهل في توجيه الانتقادات إليهم.
مثلا، مجلس إدارة شركة سانسبوري الذي تم استدعاؤه في عام 2013 للتحقيق في سلوك أحد المديرين. الادعاءات لم تكن محلا للنزاع. اعترف رئيس مجلس الإدارة، ديفيد تايلور، بأنه طلب العون من موظفين ومتعاقدين للمساعدة في تجديد منزله الريفي، ما يشكل انتهاكا لسياسة الشركة. لكن مجلس الإدارة رفض تطبيق أي عقوبة على أساس أن الأمر غير ذي بال، ولم تكن هناك منفعة شخصية. وكتب تايلور شيكا بمبلغ خمسة آلاف جنيه استرليني إلى مؤسسة خيرية.
ليس من واجب مجالس الإدارة أن تعامل جميع الموظفين بشكل متساو وعادل فحسب، ولكن من المهم بالقدر نفسه أن تترك انطباعا بأنها تفعل ذلك.
هناك أيضا مجلس إدارة "أوبر" الذي تراجع عن كبح جماح سلوك ترافيس كالانيك، الرئيس التنفيذي السابق، الذي أسس لثقافة تتسم بالتحيز الجنسي وتعتمد على الطرق السريعة والمختصرة لإنجاز الأشياء في مجموعة النقل.
ويمكن للمرء أن يتساءل كذلك عما إذا كان مجلس إدارة بنك باركليز صارما بما فيه الكفاية في العام الماضي، في تطبيق القواعد بشأن المبلغين عن المخالفات، حين جعل الرئيس التنفيذي، جيس ستانلي، ينجو من إحدى المخالفات بعقاب بسيط تمثل في تخفيض علاوته البالغة 1.3 مليون جنيه استرليني. وفي وقت سابق هذا الشهر قررت سلطة السلوك المالي أيضا تغريم ستانلي مبلغا آخر بعد تحقيق دام لمدة عام، رغم أن السلطة لم تتوصل إلى أنه بحاجة إلى تقديم استقالته.
هذا يأتي بنا إلى أحدث مثال على قرارات وأحكام مجالس الإدارات: التحقيق الذي أجرته مجموعة الإعلان WPP مع مؤسسها، مارتن سوريل. في هذه الحالة، استقال السير مارتن من منصبه، لكن المستثمرين لا يزالون يجهلون طبيعة الاتهام، باستثناء الحقيقة المكشوفة التي تقول إنه يشتمل على إساءة ظاهرة لاستخدام ممتلكات الشركة ـ والرأي الذي يصفها بأنها غير مادية.
علاوة على ذلك، النتيجة تقدم رسالة مختلطة ومثيرة للفضول. فبعد إنكاره الاتهامات بشدة، استقال السير مارتن، بينما قالت WPP إنها ليس لديها ما تضيفه. قارن ذلك بما يرد من برقيات تتضمن شروط خروجه - يتم التعامل معه على أنه "شخص جيد يغادر الشركة"، وهو ما يعني في هذه الحالة الاحتفاظ بالحوافز التي تقدر قيمتها بـ 16 مليون جنيه استرليني. سيثني بعضهم على هذه القرارات باعتبارها واقعية على نحو مثير للإعجاب. لماذا إثارة المشاكل إذا كانت الإساءة غير مادية؟ ما الفائدة من توفير ذخيرة للمنافسين عبر مناقشة المواضيع الخاصة أمام الملأ؟
لكن مجالس الإدارات لديها واجبات أوسع وأهم من مجرد حماية سعر سهم الشركة. لا ينبغي لها أن تعامل جميع الموظفين بالعدل والمساواة فحسب، ولكن أيضا ـ وهذا مهم بالقدر نفسه ـ أن يرى الناس أنها تفعل ذلك. هذا الواجب سيكون قد تم التملص منه إذا ما شعر مجلس الإدارة أن كبار التنفيذيين ينبغي معاملتهم باللين - خصوصا حين تكون هناك حالات تشتمل على مخالفات ربما تكون (وأحيانا تكون فعلا) من النوع الذي يتم التعامل معه بتشدد مع الدرجات الأدنى على السلم الوظيفي للشركة.
ثمة مشكلة أخرى توقف عندها تايلور، وهي ما يمكن أن نطلق عليها العواقب الثقافية للتسامح والرأفة. في حالة باركليز يبدو أن الثقافة القائمة على تجاهل القواعد والأعراف، التي جسدها دياموند، كانت منتشرة في كامل المجموعة، مع عواقب مالية لا بد للمساهمين من أن يظلوا في حالة تعايش معها.
وكما لاحظ تايلور نفسه في وثيقة عن الثقافة أصدرها قبل مجلس الإبلاغ المالي في عام 2016: "الأمر المهم هو السلوك الفعلي لمنظمة معينة والأشخاص الذين يقومون على إدارتها. هذا أمر له أهمية تفوق كثيرا أهمية مائة بيان حول ثقافة الشركة أو سياستها الأخلاقية".
يقول الفرنسيون: لتكون متفهما للجميع كن متسامحا مع الجميع Tout comprendend c’est tout pardoner. إنها مجرد طبيعة إنسانية أن يجد المديرون أن من الأسهل رؤية العوامل المخففة عندما يتعلق الأمر بأخطاء زملائهم. لكن للحفاظ على صدقية الثقافة من الضروري، في بعض الأحيان، أن "نتفهم" بدرجة أقل وأن "ندين" بقدر أكبر.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES