FINANCIAL TIMES

«ديرة روكفلر» .. ساحة كسر عظم مع صناديق التحوط

«ديرة روكفلر» .. ساحة كسر عظم مع صناديق التحوط

بروس ماكجواير، رئيس جمعية صندوق التحوط في ولاية كونيتيكت، كان يحيط به كثير من الأشخاص في حفل استقبال في ميناء جرينيتش في أواخر العام الماضي، عندما اكتشف أن أحد أفراد المهام الأمنية الخاصة يتمشى في الأنحاء.
نصح ماكجواير الحارس بلطف بأنه سيكون من الأفضل إذا بقي في الخارج. هز الحارس رأسه. وأوضح أنه لم يكن يعمل لصالح الجمعية. وقد تم تعيينه من قبل أحد المتحدثين، وهو مسؤول تنفيذي في أحد أكبر صناديق التحوط في العالم.
مدينة جرينيتش في ولاية كونيتيكت – التي تعتبر تاريخيا واحدة من أغنى المدن في الولايات المتحدة - قد لا تبدو مثل هذا النوع من الأماكن الذي يحتاج إلى حراس أمن لحدث له علاقة بالربط ضمن الشبكات، إلا أن مديري صناديق التحوط في كونيتيكت متوترون كثيرا.
يقول ستيفن كاندلاند، وهو شريك مقره في جرينيتش في Angela Mortimer، وهي شركة توظيف توفر موظفين لمديري صناديق التحوط: "إنهم لا يشعرون بالترحيب. إنه ليس (بعد) نزوحا جماعيا، لأن نوعية الحياة في جرينيتش لا تزال مرتفعة جدا. إنهم لا يتطلعون إلى المغادرة لكنهم مجبرون على المغادرة. كونيتيكت في حاجة ماسة إلى إيرادات الضرائب، وعندما تكون في حاجة ماسة إلى المال، عليك أن تذهب إلى حيث يكون المال، هذا هو مجتمع صناديق التحوط".
أصبحت جرينيتش بمنزلة محك لحملات مثل "هيدج كليبرز"، وهي مجموعة ناشطة تدعو إلى إنهاء عدم المساواة في الدخل، التي استهدفت اللقاءات السابقة لمجموعة ماكجواير. يظهر الانقسام المتزايد في كونيتيكت كثيرا بين الضواحي الثرية والمدن الفقيرة مثل هارتفورد، عاصمة الولاية التي هي على شفا الإفلاس، وبريدجبورت، وهي مدينة صناعية تقع على الساحل على مسافة قريبة من جرينيتش.
تحتل هذه الولاية التي يسيطر عليها الديمقراطيون المرتبة الثانية من حيث نسبة عدم المساواة في الدخل في الولايات المتحدة، التي غلبتها في ذلك نيويورك فقط، ذلك وفقا لمعهد السياسة الاقتصادية.
كما أن مقاطعة فيرفيلد، حيث تقع جرينيتش وكثير من صناديق التحوط، هي أكثر المناطق من حيث عدم المساواة في الولاية، حيث تتقاضى النسبة الأعلى دخلا والبالغة 1 في المائة ما يزيد بنسبة 73.7 في المائة عن نسبة الأشخاص الأقل دخلا والبالغة 99 في المائة. المعدل الوطني هو 25.3 في المائة.
هذه الأرقام تشرح إلى حد ما لماذا تواجه الصناعة مثل هذا التدقيق الشديد. يحتاج المشرعون المحليون إلى إيجاد مصادر دخل جديدة للتخفيف من أزمة الموازنة العامة التي أوجدتها سنوات من الإنفاق الزائد، والاعتماد المفرط على أموال الضرائب من القطاع المالي.
وقد رفعت ولاية كونيتيكت ضريبة الدخل ثلاث مرات في العقد الماضي، ولكن الآن، وهي تعترك من أجل الوفاء بالتزاماتها التقاعدية والرعاية الصحية للعاملين في الولاية، تواجه عجزا متوقعا قدره 240 مليون دولار لهذا العام المالي وحده، وتتعرض للضغط للتوصل إلى حل.
وقد قامت شركات رئيسة، ومنها "جنرال إلكتريك"، بنقل مقارها بعيدا عن الولاية، ما أدى إلى تراجع عائدات الضرائب والإضرار بأسعار العقارات.
يقول مايكل كينك، المدير التنفيذي لتحالف "أقوياء من أجل الجميع" الذي يناضل من أجل إنهاء عدم المساواة، وعضو في شركة هيدج كليبرز: "تعاني كونيتيكت من أزمة ميزانية مشروعة. لقد تحدثوا عن إغلاق المدارس وإغلاق محطات الإطفاء؛ هذا أمر شائن، حين تجد أن مديري صناديق التحوط يشترون الأعمال الفنية من شركتي كريستيز أو ساوثبيز مقابل 100 مليون دولار، في حين يدفعون ضرائب أقل من المعلمين".
وقد استولى المشاركون في الحملة على ما يسمى ثغرة الفائدة المرحلة، التي تسمح لصناديق التحوط ومديري الأسهم الخاصة المطالبة بنصيبهم من الأرباح كربح رأسمالي للأغراض الضريبية، بدلا من أخذها بعد زيادة معدل ضريبة الدخل.
تعهد دونالد ترمب بإغلاق الثغرة أثناء حملته الانتخابية للرئاسة الأمريكية، لكن هذا لم يكن مدرجا في خطته الضريبية الفيدرالية.
قدم كينك الشهر الماضي دليلا إلى اللجنة المصرفية في الولاية لدعم مشروع قانون مقترح يدعو إلى إنشاء فريق عمل لدراسة "تأثير الإصلاح الضريبي الفيدرالي على صناديق التحوط وشركات إدارة الاستثمار في الولاية".
ويأمل مؤيدو مشروع القانون المذكور أن يوفر آلية لتطبيق الزيادات الضريبية على صناديق التحوط وشركات الأسهم الخاصة، عن طريق فرض ضريبة إضافية عليهم على مستوى الولاية، إلى أن يتم إغلاق الثغرة الفيدرالية.
ويقدرون أن ذلك يعني ضريبة إضافية بنسبة 17 في المائة على المديرين الذين يستفيدون من الثغرة، ما يؤدي إلى جمع 519 مليون دولار سنويا من أموال الضرائب.
زيادة الضرائب على صناعة تتألف من شركات صغيرة غنية ومتنقلة، من شأنه أن يجبر صناديق التحوط على الهجرة فحسب، وذلك بحسب ما يقوله ماكجواير، الذي نجح في الضغط على تشريع مماثل في الماضي. ويضيف: "هناك مدن أخرى ترغب في الحصول على ما لدينا هنا".
جرينيتش، التي تقع في الركن الجنوبي الغربي من ولاية كونيتيكت، تشكل منذ عدة سنوات جيبا ثريا، بدأ في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين عندما غمرت البلدة بسكان من نيويورك بحثا عن ملاذ صيفي.
في عشرينيات القرن الماضي، تنافس أغنى سكان المدينة - العائلات مثل روكفلر وميلبانك - لبناء أكثر المنازل رفاهية على أكبر مساحات من الأراضي.
هذه المدينة التي تحدها ولاية لونغ آيلاند ساوند إلى الجنوب، وولاية نيويورك من الشمال والغرب، تبعد 45 دقيقة بالقطار من مانهاتن. يمتد شاطئها البالغ طوله 32 ميلا بالشواطئ الخاصة، والمواقع المواجهة للمحيط وموانئ اليخوت.
في أواخر التسعينيات، بدأت المنطقة تجذب مديري صناديق التحوط الذين يسعون إلى هدوء الضواحي: مكان لتثبيت قواربهم وشراء منازل منعزلة. وقد أصبحت أكثر جاذبية من قبل بسبب معدل ضريبة الدخل المنخفض فيها الذي يمكن كسبه عبر عبور الحدود من ولاية نيويورك.
وبحلول منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كانت طفرة صناديق التحوط في أوجها، مع ارتفاع إيجارات مكاتب جرينيتش إلى مبالغ ضخمة، ولكن منذ الأزمة المالية، كافحت الصناديق لمواءمة العائدات السابقة، وتعثر اقتصاد الولاية.
على الرغم من أن معدل ضريبة الدخل في الولاية قد ارتفع ببطء - حيث بلغ ذروته عند 6.99 في المائة في عام 2015 - إلا أنه لا يزال أقل من معدل 8.82 في المائة بالنسبة لأصحاب الدخول الأعلى في ولاية نيويورك.
وتظل ولاية كونيتيكت في المركز الثالث، بعد نيويورك وكاليفورنيا، من حيث عدد صناديق التحوط العاملة هناك، وذلك وفقا لبيانات Preqin، حيث تدير 379 مليار دولار من أموال المستثمرين.
في الوقت الذي نما فيه عدد صناديق التحوط النشطة في نيويورك وكاليفورنيا بالمئات على مدى السنوات الخمس الماضية، ظل العدد في كونيتيكت ثابتا. عدد صناديق التحوط الجديدة التي يتم إطلاقها في الولاية، وهو مؤشر رئيسي في صناعة تشيع فيها عمليات الفتح والإغلاق، تقلص من 73 في 2015 إلى 29 في العام الماضي.
ويقول كاندلاند إن "ميامي" و"بالم بيتش" في ولاية فلوريدا تسعيان لجذب صناديق التحوط، وحيث إنه لا توجد ضريبة على الدخل في الولاية، بدأ كثير من المديرين برؤية هذه الجاذبية.
كما يقول: "لدي جيران يعملون في صناديق التحوط وآخذين بالانتقال إلى هناك. السبب في أن الأشخاص لم يرحلوا في وقت مبكر هو لأنك لم تتمكن من الحصول على المواهب التي تحتاج إليها، وهذا يرجع جزئيا إلى أن النظام المدرسي الذي لم يكن رائعا لأطفالهم ... لم يكن هناك بعد جامعات هارفارد وبنسلفانيا وكولومبيا". ومنذ ذلك الحين، يضيف أن الضرائب أصبحت مواتية للغاية لدرجة أن مديري صناديق التحوط بدأوا يشعرون بالحمق لعدم إعطائهم ولاية فلوريدا مزيدا من الاهتمام: "انتشر هناك عدد من الكليات الجديدة الرائعة".
ماكجواير غير مرتاح بشأن عمليات المغادرة. باع بول تودور جونز، الذي انتقل إلى فلوريدا في عام 2016 وافتتح مكتبا في بالم بيتش، مجمع صندوق التحوط التابع له في غابات جرينيتش الخلفية العام الماضي، وانتقل إلى مكتب أصغر في ستامفورد، حيث تخلى الصندوق عن الموظفين وسط انخفاض العائدات.
كما ترك إدوارد لامبرت، مؤسس شركة ESL Investments، جرينيتش في عام 2012 متجها إلى ميامي. وغادر باري شتيرنليكت، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي Starwood Capital، الولاية متجها إلى فلوريدا في عام 2016، في حين أعلن أن جرينيتش هي أسوأ سوق للإسكان في الولايات المتحدة. وقال في ذلك الوقت: "لا يمكنك التخلي عن منزل في جرينيتش".
كما غادر توماس بيترفي، صاحب المليارات ومؤسس Interactive Brokers، إلى فلوريدا. وكان عقاره الذي تبلغ مساحته 80 فدانا في جرينيتش، وهو الأكبر في المدينة، يقبع في السوق منذ أكثر من عامين (دون أن يجد له مشتريا). ومع أنه عرض بسعر أولي قدره 65 مليون دولار، بيع المنزل في النهاية بمبلغ 21 مليون دولار.
يسأل ماكجواير، وهو مصرفي سابق أطلق الجمعية في عام 2004: "بدلا من إيجاد طرق مبتكرة لجعل حياتهم أكثر صعوبة، لماذا لا يجدون طرقا مبتكرة لجذب أموال جديدة إلى كونيتيكت؟"
سيتلقى سكان الولاية أيضا ضربة بسبب التغييرات التي أدخلها ترمب على قانون الضرائب الفيدرالي، والتي فرضت سقفا بقيمة عشرة آلاف دولار على الخصومات التي يمكن المطالبة بها على الدخل الحكومي والمحلي والضرائب العقارية.
منحت كونيتيكت حوافز ضريبية لأكبر صندوقي تحوط في الولاية - AQR وBridgewater - في عام 2016، بقيمة 35 مليون دولار و22 مليون دولار، على التوالي، وهي خطوة قوبلت باحتجاج عام.
الولاية بررتها على أساس أن صناعة التمويل والتأمين ساهمت بنسبة 11 في المائة في ناتجها المحلي الإجمالي في عام 2016.
تقول كاثرين سميث، المفوضة في دائرة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية في كونيتيكت: "لقد كانت ثابتة نسبيا، لكننا نعتقد أنها صناعة مهمة جدا هنا". وتضيف: "عندما تتحدث إلى هذه الصناديق، فإنهم يحبون أن يكونوا في كونيتيكت بسبب المواهب الموجودة هنا، وبسبب إمكانية الوصول إلى الأسواق الكبيرة. وقد تمكنوا بشكل مطلق من إدارة أعمالهم بتكلفة أقل".
يمكن ملاحظة تأثير عمليات المغادرة - ليس على فلوريدا فحسب، بل على عمال التمويل الآخرين الذين فقدوا وظائفهم في وول ستريت ليحل مكانهم التشغيل الآلي - في أسعار المنازل عبر جرينيتش.
ووفقا لبيانات Miller Samuel، وهي شركة للتقييم العقاري، وDouglas Elliman، وهي شركة وساطة عقارية، كانت مبيعات المنازل العائلية التي تضم عائلة واحدة في المدينة في الربع الأول من عام 2018 قد انخفضت بنسبة 22.2 في المائة مقارنة بالعام السابق.
أحد الرموز البريدية للمدينة، 06831، الذي كان يحتل المرتبة الـ 65 باعتباره المنطقة الأكثر ثراء في البلاد في عام 2010، تراجع 300 مكانة في العام الماضي مع انخفاض متوسط سعر المبيعات من 1.1 مليون دولار إلى 895000 دولار خلال الفترة نفسها، وفقا لبيانات من PropertyShark.
يقول أحد مديري الصناديق الذي يسكن في المدينة، طلب عدم ذكر اسمه: "سأقوم بالتعامل على المكشوف على مشروع جرينيتش العقاري إذا استطعت ذلك".
وتصر سميث على أن الولاية "تتابع بهدوء" الصناعة لتشجيع الشركات على البقاء.
تقول سميث: "إذا نظرت خلال العامين الماضيين، ففي حين تم تقديم مشاريع قوانين، لم تكن هناك زيادة في الضرائب". "هناك اهتمام بهذه الصناعة في جميع أنحاء الولاية، لأنهم يعرفون أن صناديق التحوط هي المسؤولة جزئيا عن دفع الفواتير هنا".
يصف كينك الفكرة القائلة إن الصناديق ستهرب من الولاية لتفادي فرض ضرائب أعلى باعتبار أنها "مبالغ فيها بالفعل".
أعلنت شركة جنرال إلكتريك في عام 2016 أنها ستحول مقرها من فيرفيلد، كونيتيكت إلى بوسطن. "لقد انتقلوا إلى ماساشوسيتس - Taxachussetts!"، كما يقول، مشيرا إلى اسم الولاية المجاورة بسبب ضرائبها المرتفعة.
وأشارت شركة جنرال إلكتريك إلى إنفاق الولاية على الأبحاث والتطوير، وكليات وجامعات بوسطن البالغ عددها 55 كلية، و"قواها العاملة المتنوعة والمتطورة تكنولوجيا" كأسباب وراء إعادة توطينها.
يقول كينك: "هذه هي الأشياء من النوع الذي تبحث عنه الشركة. سيظهر تحليل صناديق التحوط التي لا تهتم بمصلحتها فحسب نجاحها وازدهارها في الأغلب، حيث يوجد مجال للأشخاص الموهوبين والمتعلمين، سواء أكانوا متخرجين أم تجارا أم باحثين، وحيث هناك أيضا الكثير من الأموال للاستثمار".
يضيف: "يمكن للولايات أن تطلب من الأغنياء جدا أن يدفعوا نصيبهم العادل؛ هم لا يدفعون نصيبهم العادل الآن. نعتقد أن اقتصاد الولاية سيتحسن بشكل أفضل إذا فعلوا ذلك". مشروع قانون إنشاء فرقة عمل ضريبية، الذي تم تقديمه في شباط (فبراير) الماضي، حصل على دعم محدود في اللجنة المصرفية في الولاية، وحصل على جميع الأصوات من المشرعين الديمقراطيين، ولم يحصل على أي صوت من الجمهوريين. إذا اجتاز مجلس شيوخ الولاية، فإنه سيواجه حينئذ تصويتا في الداخل.
ويمكن أن تلعب هذه المسألة أيضا في انتخابات المحافظات التي ستجري في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، التي من المرجح أن تهيمن عليها الشؤون المالية للولاية.
أحد المرشحين الأخيرين الذين انضموا إلى السباق هو ديفيد ستيمرمان، أحد المقيمين في جرينيتش ومؤسس صندوق التحوط Conatus Capital، الذي أعلن ترشحه أمام مقر شركة جنرال إلكتريك السابق في فيرفيلد الشهر الماضي، متعهدا بأنه الشخص المناسب لإصلاح موازنة الولاية.
بالنسبة لكينك، الناشط، فإن قرار السياسيين واضح: "على الرغم من الوضع الكئيب للأمور في كونيتيكت في الوقت الحالي، إلا أنه إذا كان هناك انهيار اقتصادي فإنهم سيصبحون بحاجة إلى التحرك بسرعة. أعتقد أنه سيكون من الأسهل فرض ضريبة على صاحب صندوق تحوط من أصحاب المليارات، من أن يطرد المئات من معلمي رياض الأطفال".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES