Author

قوى السوق تصعد بأسعار النفط

|
شهدت أسواق النفط الحرة العالمية صعودا متواليا لأسعاره خلال الأشهر العشرة المنصرمة، حيث ارتفعت أسعار خام برنت المرجعية من نحو 47.5 دولار للبرميل في 21 يونيو 2017 إلى ما يزيد على 74 دولارا للبرميل في 20 أبريل الحالي. ويظهر منحنى أسعار النفط الخام خلال الفترة صعودا عاما مع بعض التقلبات بين الفينة والأخرى. وتشير المؤشرات الحالية لأسعار «برنت» المستقبلية خلال الأشهر المتبقية من 2018م إلى بقائها فوق مستويات 71 دولارا للبرميل، وهذا سيبقي متوسط أسعار «برنت» فوق مستويات 65 دولارا للبرميل لعام 2018. أما بعد هذا العام فإن الأسعار المستقبلية المتداولة في الوقت الحالي تنخفض حتى تصل إلى 58 دولارا للبرميل لشحنات التسليم في عام 2022م. تتغير أسعار النفط ومنتجاته - مثل أي سلعة أو خدمة أخرى - نتيجة لتغيرات عوامل العرض والطلب. وتشير بيانات الطلب العالمي أو على الأدق بيانات الاستهلاك العالمي النفطي إلى نمو سنوي بنحو 1.5 برميل، ومليون برميل في الربعين الأول والثاني من العام الحالي على التوالي. وجاء النمو بشكل رئيس من زيادة استهلاك الصين والهند وباقي آسيا، وتشهد الدول الآسيوية خصوصا الصين والهند نموا اقتصاديا قويا وزيادة في ثروات الأسر، تشجع على استهلاك مزيد من الطاقة ومن ضمنها منتجات النفط. في الجانب الآخر شهدت منطقة الأمريكتين وأوربا نموا محدودا في الطلب، بينما عانت بعض المناطق مثل منطقة الشرق الأوسط جمود مستويات الطلب. وتتوقع منظمة الدول المصدرة للنفط أن يرتفع الطلب العالمي على النفط الخام بنحو مليون برميل يوميا في عام 2018 بينما تصل تقديرات وكالة الطاقة العالمية إلى نحو 1.5 مليون برميل يوميا. أما إنتاج النفط العالمي فشهد في الربع الأول من عام 2018 نموا سنويا يقل عن نمو الطلب العالمي. ويعود هذا بشكل رئيس إلى التزام أعضاء "أوبك" بحدود الإنتاج المتفق عليها، والتزام بعض المنتجين خارج دول المنظمة خصوصا روسيا بسقوف إنتاج معينة. وقد نما إنتاج النفط خارج دول المنظمة على أساس سنوي بنحو 1.3 مليون برميل يوميا في الربع الأول من عام 2018، ومن المتوقع أن يرتفع بنحو مليوني برميل في الربع الثاني من العام. وتعود معظم الزيادة إلى ارتفاع إنتاج النفط في أمريكا الشمالية، بينما شهدت المناطق الأخرى شبه ثبات في مستويات الإنتاج. أما إنتاج دول "أوبك" فقد شهد استقرارا في الربع الأول من 2018 مقارنة بالربع الأول من عام 2017، ومن المتوقع أن يشهد تراجعا محدودا في مستويات إنتاج الربع الثاني من 2018. يعود ثبات إنتاج "أوبك" إلى امتصاص الأسواق لزيادة إنتاج إيران والعراق قبل عام 2017 والتزام المنتجين الكبار بمستويات إنتاج محددة، وكذلك إلى تراجع إنتاج بعض الدول كأنجولا وفنزويلا. تعتبر مستويات المخزونات النفطية من أكبر العوامل تأثيرا في الأسعار، حيث تتسبب زيادة المخزونات في تراجع الأسعار، بينما تقود التراجعات حتى لو كانت صغيرة إلى قفزات حادة في الأسعار. وتشير بيانات مخزونات النفط في منظومة دول التعاون والتنمية إلى حدوث سحوبات من المخزون عام 2017 بعد عدة سنوات من زيادة مستوياته. وانخفض إجمالي مخزونات دول المنظمة بنحو 180 مليون برميل خلال العام الماضي. ومن المرجح استمرار السحب من المخزونات خصوصا التجارية في عام 2018. من جهة أخرى يشجع تراجع المخزونات أيضا المضاربين بالسلع على الدخول في عقود النفط، ما يعزز زيادة الأسعار. في الأجل القصير، تسهم التغيرات الموسمية بما في ذلك الأحداث المناخية في تغيير معدلات نمو الطلب، أما الأحداث السياسية والأمنية في الدول المنتجة فتزيد القلق على حجم إمدادات النفط وتدفع الأسعار لكن لفترة وجيزة. وتشهد بعض الدول المنتجة توترات متزايدة حيث عانت وتعاني دول مثل ليبياوفنزويلا توترات داخلية قادت إلى تراجع إنتاجهما النفطي. رغم الارتفاع القوي هذه الأيام في أسعار النفط، تظهر معلومات الأسواق أن المتعاملين فيها يرون أن صعود الأسعار مرحلي ولن يستمر لفترة طويلة، وهذا يرسل رسالة إلى المنتجين بتوخي الحذر في سياسات التعامل مع الأسواق. من جهة أخرى، فإن الشكوك حول استمرار ارتفاع أسعار النفط لا يشجع المستثمرين على ضخ استثمارات ضخمة في صناعة النفط التي تحتاج إلى استثمارات هائلة لرفع الإنتاج بمستويات كبيرة. وتلعب الاستثمارات الحالية دورا كبيرا في تحديد مستويات الإنتاج المستقبلية التي تسهم إلى حد كبير في تحديد الأسعار خلال السنوات المقبلة. وعموما فإن قوى السوق المؤثرة في العرض والطلب هي المحدد الرئيس للأسعار، وكل السياسات التي يتبناها المنتجون والمستهلكون إنما تحاول التأثير في مستويات العرض والطلب.
إنشرها