Author

هل انتقلنا إلى الإعداد لمهن المستقبل أم لا نزال في القرن العشرين؟

|
كما يُقال فإن الثابت في هذا الكون هو التغير نفسه. فعلى مر التاريخ هناك مهن تختفي وأخرى تظهر وتحتل أهمية كبيرة، وذلك تبعا لتغير أنماط حياة الإنسان وتطور وسائل الإنتاج في المجتمعات. ولكن التغير يشهد تسارعا غير مسبوق خلال السنوات الأخيرة. لذلك فإن المهن في سوق العمل ستتغير بمعدلات أسرع مما نتوقع نتيجة تطبيق التقنية عموما والذكاء الاصطناعي خصوصا. وفي هذا السياق، تشير دراسة أمريكية إلى أن أكثر من نصف طلاب الجامعات في الوقت الحاضر سيمارسون بعد التخرج مهنا غير موجودة في الوقت الحاضر. كما تشير دراسة أجرتها جامعة أكسفورد إلى أن 35 في المائة من المهن في بريطانيا سيستحوذ عليها الحاسب الآلي خلال عقدين من الزمن! وتفيد تقارير أخرى بأن شركة (JP Morgan) العملاقة ستوفر 360 ألف ساعة عمل في مجال القانون عند تطبيق الذكاء الاصطناعي، أي تقليص دور المحاماة! هناك مهن كثيرة تحتضر أو سينحسر الطلب عليها في المستقبل القريب، مثل "معقب دوائر حكومية"، وسائق خاص، ومراسل إداري، وموزع الصحف، ومحلل مختبر، وبائع تجزئة ومحاسب في مجال تجارة التجزئة، خاصة مع التوسع في التجارة الإلكترونية والمحال التجارية الافتراضية. وفي المقابل، ظهرت مهن كثيرة خلال السنوات الأخيرة، مثل مصمم إنترنت، ورياضي محترف، ومستشار استدامة، ومهندس حيوي، وخبير تقنية حيوية وغيرها، ومن المتوقع أن تظهر مهن لا تخطر على بال بشر في المستقبل، مثل: متحكم (قائد) طائرة "درون"، ومعلم افتراضي (virtual teacher)، ومراقب تقنية أخلاقية، ومرشد سياحي فضائي (space tour guide) وغيرها. وللولوج للمستقبل بسلام ينبغي نبذ التفكير النمطي التقليدي وتبني التفكير الإبداعي! وعلى الرغم من التغير المهني، فإن هناك بعض المهن التقليدية التي ستحظى بطلب متزايد مثل مهن الممرضات والعلاج الطبيعي وخبراء التغذية وذلك لتزايد أعداد السكان خاصة كبار السن، ولكن تتطلب ممارسة هذه المهن الإلمام بمهارات جديدة نتيجة دخول الإنسان الآلي والذكاء الاصطناعي في مجال خدمة الإنسان عموما ورعاية كبار السن خصوصا. وبخلاف التخوف الكبير من سيطرة الإنسان الآلي خاصة بعد الحديث عن تحميل العقل البشري على الحاسب (mind uploading) مع العقبات الكبيرة التي تواجه العلماء في تحميل الوعي والمشاعر (consciousness)، فإن التوسع التقني سيوفر مهنا جديدة لا حصر لها، مثلما وفر "أوبر" وغيره من تطبيقات تقنية جديدة، ولكن يتطلب الأمر تطوير التعليم بوجه عام والجامعي بوجه خاص. وأخيرا تساؤلات مهمة تبرز في الذهن: هل الجامعات العربية عموما والسعودية خصوصا تأخذ في اعتبارها إعداد الخريجين لمهن المستقبل؟ كم من الجامعات قامت بدراسات عن مهن المستقبل المتوقعة ثم عدلت خططها وفق ذلك؟ وهل لدى صندوق الموارد البشرية خطة استراتيجية لتوجيه الشباب وتدريبهم وتزويدهم بمهارات تتناسب مع المهن المطلوبة في المستقبل أو حتى المهن الحالية؟ هل وزارة التعليم تأخذ هذا الموضوع بالأهمية التي يستحقها؟ أم أن التعليم حقل تجارب أسير لتجارب الماضي، ما أدى إلى بطالة مرتفعة وإنتاجية متدنية وتنافسية دولية ضعيفة! الإجابة المؤلمة أن الجميع (إلا من رحم ربي) يغرق في الإعداد لمهن القرن العشرين (أي القرن الميلادي المنصرم)، وليس لمهن المستقبل! والأمل كبير في تطوير الكليات التقنية وكذلك إنشاء جامعات تقنية تتماشى مع طموحات "رؤية 2030".
إنشرها