FINANCIAL TIMES

العالم يعد نفسه لـ «طفرة ترمب»

العالم يعد نفسه لـ «طفرة ترمب»

سينعم الاقتصاد العالمي بعامين من الوفرة والفضل في ذلك يعود إلى دونالد ترمب. هذه كانت خلاصة توقعات صدرت الأسبوع الماضي عن صندوق النقد الدولي، هيمنت عليها تخفيضات الرئيس الأمريكي الضريبية وعواقبها الحتمية: ارتفاع كبير في عجز الحساب الحالي للولايات المتحدة. وعلى الرغم من كره ترمب للعجز التجاري، إلا أنه على وشك زيادته بشكل كبير. والسيطرة على العواقب ستكون تحديا كبيرا للاقتصاد العالمي.
في أحدث مستجدات "آفاق الاقتصاد العالمي" توقع صندوق النقد الدولي نموا عالميا بنسبة 3.9 في المائة في عامي 2018 و2019. وهذا تحسن بنسبة 0.2 منذ آخر جولة من التوقعات للصندوق، وهي أفضل نتيجة منذ عام 2011. ويعود نصف هذا التحسن إلى أن التأثيرات العالمية الناشئة عن تحفيز تربو. وتبدو الآفاق مبشرة فعلا، خصوصا إذا كنت مصدرا آسيويا.
سوف يولد تحفيز ترمب نموا محليا قويا، لكن ستكون له أيضا تأثيرات عالمية كبيرة، لأن الولايات المتحدة قريبة جدا من العمالة الكاملة. وتعني التخفيضات الضريبية وخطط الإنفاق التي طرحها الرئيس الأمريكي أن الولايات المتحدة قريبة من تحقيق عجز في الميزانية بنسبة 5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي.
إن استحداث طلب إضافي كبير في وقت يوجد في عدد قليل من الأمريكيين العاطلين عن العمل، الذين يمكنهم تلبية ذلك الطلب، فإن النتيجة الطبيعية هي مزيد من الواردات. كذلك قد يجبر التحفيز الاحتياطي الفيدرالي على رفع أسعار الفائدة لمنع الاقتصاد من الدخول في فورة من النشاط، وهذا يعني ارتفاع مدفوعات الفائدة على ديون الأجانب. ونتيجة لذلك يتوقع صندوق النقد الدولي اتساع عجز الحساب الجاري للولايات المتحدة بواقع نقطة مئوية واحدة بين عامي 2017 و2019، ليصل إلى 3.4 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. وهذه نتيجة حتمية لسياسات ترمب.
تسرب الطلب من تحفيز الولايات المتحدة سيكون دفعة قوية لبقية العالم. لكنه أيضا يطرح تساؤلات صعبة للدول ذات الفائض، مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية. ومن غير المحتمل أن يرد ترمب على عجز تجاري أكبر بتغريدة مبهجة من التبريكات، والأقل احتمالا أن يلوم نفسه. وهناك أيضا احتمال أن يعود تضخم الولايات المتحدة بقوة، ما يجعل الاحتياطي الفيدرالي يضغط عى الكوابح، مع ما يستتبع ذلك من عواقب أليمة على القطاع المالي والاقتصاد العالمي ككل.
نعلم مسبقا إجابة ترمب بشأن العجز التجاري: فرض تعرفات جمركية على الصلب، على افتراض أنها ستحمي الأمن القومي للولايات المتحدة، واقترح حزمة رسوم جمركية كبيرة على الصين، ويمارس ضغطا على حلفاء الولايات المتحدة من كندا والمكسيك إلى كوريا الجنوبية واليابان لإعادة التفاوض على صفقات تجارية. وحين يتوسع العجز الأمريكي مع هذه الدول، من المحتمل أن يكون رده مزيدا من العلاج نفسه.
المشكلة في استراتيجيته هي أن الحواجز التجارية يكاد لا يكون لها أي تأثير في العجز التجاري. بل ستقلل إجمالي حجم التجارة وتغير اتجاهه. يقول جوزيف جاقنون، من معهد بيترسون، إن البلدان التي ليست لديها حواجز تجارية عالية، مثل سويسرا وسنغافورة، لديها بعضا من أكبر الفوائض التجارية، بينما الدول التي تمارس الحماية بدرجة كبيرة، كالبرازيل والهند، تعاني عجوزات. إن ما يحدد عجز الحساب الجاري فعليا هو الفرق بين مدخرات البلد واستثماراتها. وبالتحفيز الذي يطرحه، يبذل ترمب مجهودا كبيرا لتوسيع تلك الفجوة في الولايات المتحدة.
نظرا لذلك، من غير المعقول أن يستجيب شركاء أمريكا التجاريون للضغوط التي يمارسها ترمب باتخاذ تدابير مضادة. سيتسع مدى العجز التجاري الأمريكي مهما حدث. والأمر الذي يتطلب التحرك بذكاء هو حصولك على حصتك من الطلب على الصادرات في الوقت الذي تعمل فيه على تهدئة ترمب من خلال تنازلات تكتيكية حيث يتمكن "صانع الصفقات الكبير" من إعلان انتصاره. هذا ما فعلته كوريا الجنوبية مستخدمة مهارة خاصة. فمقابل بعض الوعود التي لا معنى لها إلى حد ما فيما يتعلق بإدارة العملة وتجارة السيارات، أعادت سيئول التفاوض بشأن الصفقة التجارية الأمريكية وتمكنت من الحصول على إعفاء من الرسوم الجمركية المفروضة على الصلب. والآن يمكنها الاستمتاع بثمار التجارة الأمريكية.
من ناحيتها تبدو اليابان راغبة في امتصاص رسوم ترمب الجمركية، لكن التصدي للرئيس الأمريكي يعتبر لعبة خطيرة. الصين كبيرة جدا بما يسمح لها بأن تتجنب الاصطدام بسهولة. والعديد من البلدان التي لديها فائض لديها حالات مذهلة من الفائض في الحساب الجاري، مثل سنغافورة وتايوان، تبدو أنها غابت عن ذهنه تماما، في حين أن ألمانيا وهولندا محميتان بأمان ضمن منطقة اليورو.
اتساع العجز التجاري الأمريكي سيزيد من الاختلالات التي كانت السمة المميزة للاقتصاد العالمي في مطلع العقد الأول من القرن الحالي. صندوق النقد الدولي يسأل الولايات المتحدة بنوع من الأسى عن "خطة متوسطة الأمد لإيقاف التصاعد في نسبة الدين العام". ومن المستبعد إلى حد كبير أن يحصل على خطة من ترمب. يفترض في الأنظمة المالية المتشددة أن تحول دون أن تتحول حركة رأس المال إلى الولايات المتحدة إلى فائض في وول ستريت. لكن الشركاء التجاريين للولايات المتحدة يستطيعون المساعدة أيضا من خلال إبقاء الاختلالات في حدها الأدنى.
وحقيقة أن الصين لم تعد تضغط على الرنمينبي لإبقائه منخفضا يفترض فيها أن تساعد على تجنب تكرار ما حدث في العقد الأول من القرن الحالي، لكن البلدان الآسيوية الأخرى ذات الفائض الكبير يفترض فيها أن تسمح لعملاتها بالارتفاع. في الوقت نفسه زيادة الاستثمار العام في ألمانيا من شأنها أن تكون مفيدة في موازنة، ليس فقط منطقة اليورو، وإنما الاقتصاد العالمي.
غالبا ما توصف غرائز ترمب الحمائية بأنها تهديد للازدهار العالمي. لكن بالنسبة للسنتين المقبلتين، برنامجه التحفيزي يعني أن سننعم بـ "طفرة ترمب". دعونا نرجو أن التناقضات الكامنة في سياسته لا تنتهي بانهياره.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES