المشراق

الزائيات في الشعر النبطي

الزائيات في الشعر النبطي

منذ كتب الشماخ بن ضرار قصيدته الشهيرة في قوسه، ولقافية الزاء رونق خاص، فهذه القافية قليلة في الشعر الفصيح والنبطي، وذلك لقلة المفردات التي تنتهي بهذا الحرف. وقصيدة الشماخ التي مطلعها:
عفا بطن قو من سليمى فعالز
فذات الغضا فالمشرفات النواشز

من روائع الشعر الفصيح، ولصعوبة قافيتها فقد هاب الشعراء معارضتها. وقد استطاع شعراء النبط أن يعالجوا قافية الزاء بقدرة فائقة، فنظموا عليها العديد من القصائد، وأبدعوا فيها. وهذه نماذج من بعض قصائد الشعر النبطي الزائية.
ينظم الشـيخ مسلط الجربا (ت 1205هـ) قصيدة جميلة على هذه القافية يقول فيها:
عديت روس مشمرخات المراقيب
رجم طويل نايف مقلحز
جريت صوت مثل ما جره الذيب
اوجس ضميري من ضلوعي ينز
الحر لى صكت عليه المغاليب
ملزوم عن دار المذلة يفز
لى صار ما ناتي سواة الجلاليب
وقلايع بايماننا له تخز
احسن تصبر واجمل الصبر بالطيب
هذي سنين كل ابوها تلز

وعندما ذهبت محبوبة الشاعر محمد بن لعبون (ت 1247هـ) إلى الحج، توفيت في الحجاز فنظم هذه المرثية المبكية فيها، وهي طويلة وشهيرة نختار منها بعض الأبيات:
سقى صوب الحيا مزن تهامى
على قبر بتلعات الحجازي
يعط بها البختري والخزامى
وترتع فيه طفلات الجوازي
وغنى راعبيات الحماما
على ذيك المشاريف النوازي
صلاة الله مني والسلاما
على من فيه بالغفران فازي
عفيف الجيب ماداس الملاما
ولا وقف على طرق المخازي
عذولي به عنود ما يراما
ثقيل من ثقيلات المرازي
ابو زرق على خده علاما
تحلاها كما نقش بغازي
عليه قلوب عشاقه ترامى
تكسـر مثل تكسـير القزازي

وللشاعر والفارس المقدام الأمير محمد العلي العرفج (ت 1258هـ) قصيدة زائية مزدوجة القافية وردت في مخطوطة هوبير مطلعها:
الله من جفن عن النوم جازي
والدمع من عين الخطا جلع اجواز

ويستيقظ الشاعر الكبير محمد العبد الله القاضـي (ت 1285هـ) من نومه مشتاقا لمعشوقته الصبية الجميلة، وذهنه راحل إليها، وقلبه مولع بها، فيكتب، فيستعرض قدرته الكبيرة على مفردات الزاء، وينظم قصيدة مزدوجة القافية الزائية:
فزيت عن طيب كرى النوم قازي
وعرضت نفـسـي بالهوى كل لماز
تسعين دك دك بالقلب وازي
هجس وهاجوس بهن قلبي انماز
والدمع له من موق عيني نقاز
ينتل من عيني على جيبي اجواز
شـروى صدوق محلتمات العيازي
ركب الوعر واديه حاديه نزاز
قلبي كما الزيبق بجوف القزاز
يرتج من صـرف النيا عقب ما راز
شوقه وشاف الشوق والشوق قازي
بالبعد والا الصد ما عاد يعتاز
طفل قطف نور البها لو يمازي
بالزين حور العين حسنه بهن ماز
غصن كما ريان غصن الأمواز
يغري بغيه به نسـيم الهوا هاز
ردفين وقاف الشـرف كالنوازي
وساق كما البلور طرز به الماز
بالعون يا صلصان غر الجوازي
رديت قلبي للهوى عقب ما جاز
وافشـيت سـر في لجا الروح لازي
وبينت قلبي من حرازه للابراز
واليوم بان إليا الجفا والتقازي
محنتني في صحصح البيد والزاز
مطل وتوعيد بالابعاد هازي
والصد حده في كنين الحشا جاز
عذلت قلبي لو تلزيت عازي
عيان واحيا ذكر الأحباب وامتاز
بالحب يمحاه العزا والتلازي
أنا ونفسـي والهوى تقل بحجاز
الصبر هو والياس شطر التمازي
واعزتا صبري تبين ولا باز
عرفت مالي عن وصاله مجاز
واعذرت للنفس العزيزه لما جاز
حاربت لذات الدهر تقل جازي
هم لجا بالروح ما اظن ينراز
والله لو ما بي من الوجد يازي
على الجبال الراسخة هزه الهاز
ومزايم حمل الهوى لي موازي
ولا حمل الله شايل الحمل عجاز

وحين رحلت زوجة الشاعر ذعار بن سعدى عنه، اشتاق إليها فنظم هذه القصيدة:
ونيت ونة بالحشا مستكنة
بغيتها طول وعرض وجت شـيز
على عشـير غير الحرب ظنه
مكمل بالزين عزوة هله حيز
البعد من أهله ولا هوب منه
بغى يجي لا شك عيرض ولا جيز
ونهود للثوب الحمر شلعنه
تقل فناجيل تطلع من البيز

أما الشاعر سعيدان المطوع، مطوع نفي فيبعث أبياتا زائية يبحث فيها عن محبوبته:
يا راعي الحمرا بليا رديفي
أحسب وخبرني نهار انت غازي
ما شفت ما عينت ما قيل شـيفي
وسـيمة معها صحيبي جرازي
راعي قعود بالضعينه يهيفي
ذبح العرب يمهل وذبحه نجازي
أنا لقيت السـيد اللي مطيفي
سـيد جميع الزين حتى الجوازي
هرجه نظيف وما لفظ به نظيفي
أنظف من النيرات عند البيازي

ويصب الشاعر هويشل بن عبدالله بن هويشل جام غضبه في قصيدة هجائية على عجوز ادعت أن بينه وبين زوجته صلة رضاع، فاضطر لتطليق زوجته، التي كان يحبها، وقد شك أن هذه العجوز شهدت زورا، فقال:
كم في حدب العجايز من عصاة
تابعات كل شـيطان هموز
ربعهن لابليس أبا زنه خوات
ساد سـيات العمل شهب القزوز
كل سكن العرض حضـره والبداة
ينسبون العلم عن ذيك العجوز
جعلها الله ما تطب العاليات
جعل علثتها على الله ما تجوز
ما تفوز بطاعة الله والصلاة
والذي يحبط عملها به تفوز
أم سـيات جداد ودارسات
مثل رمل العرق قوز فوق قوز
جعلها عشـرين يوم ما تبات
واللدم في جنبها مثل الخبوز
جعلها لداب يحول من صفاة
هايش للرجل بانيابه يموز
لين ينطلها كما خطو الوقاة
تقفش الحدبا ولا تحرز تنوز
جعلها لجان يوديها الصـراة
عاصي يرقى بها روس القحوز

ويشارك الشاعر عيد بن خلف العاصمي في هذه القافية فيقول قصيدة منها:
نفسـي عزيزة بعض الاشـيا تكزه
ويا حبني لاهل النفوس العزاز
من دون ربعي سهلة مبرهزه
أبا العزا عنهم ولا نيب عازي

أما الشاعر المبدع عبدالله الصبي الشهير بلقب "مبيلش"، فيجعل قصيدته مزدوجة القافية الزائية ويقول:
يا سلام الله عليكم عدد ما قيل عز
والي البرق الحقوق ان تعرض بارتكاز
حينما رابت مقادم مزونه واقلحز
وارتكم نشو الطها في مقاده والعياز
انطلق من همله مثل منثور الخرز
كن وداجه على سطحة البيدا البياز
البعير اللي ورا بابكم يوم انحجز
ما صخفتوا للجمل يوم لاحاه الحجاز
يا هل الدين المرجى بوعد ما نجز
فرق ما بين المطل والتعلل والنجاز

وهذه نماذج لقصائد نبطية زائية، أوردتها لتبيان قدرة هؤلاء الشعراء على هذه القافية الصعبة، وغيرها مما لم أذكر كثير.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من المشراق