Author

سيطرة التطبيقات

|
تأكد لي بعد نقاش طويل مع صديقي الذي يحارب تدخل التقنية والإنترنت في كل مفاصل الحياة أنه يحاول أن يتفادى إشكالية كبرى يمكن أن تحولنا إلى حالة من الضياع دون سيطرة على أي شيء من جزئيات حياتنا. ثم إنني سافرت إلى مدينة أكاد أعرف بعضها، وفور وصولي اضطررت لاستخدام نظام الملاحة الذي يتوافر في كل الأجهزة الذكية. كان من معي يؤكدون خبرتهم ومعرفتهم بالطرق وعدم ضرورة استخدام التطبيق، إلا أن التطبيق استمر في تحدي كل الخبرات المتوافرة في السيارة. تعرف على طرق أقصر، ودلنا على تحويلات لم نكن نعرفها سابقا. لشدة تأثر المجموعة بالتطبيق، أصبحوا يطالبون قبل الخروج بتحديد الطرق بواسطته ونسيان ما عرفوه طول حياتهم. الإشكالية التي استجدت هي أن المجموعة لم تعد تختار التطبيق وإنما أصبح التطبيق هو الذي يختارهم. إن فقدان الثقة بالذات هو الأثر التالي للعلاقة المستفزة بين الإنسان والتطبيقات التي لا تزال تخدمه حتى كتابة هذه الكلمات. الواقع أن القادم المخيف هو تحول هذه العلاقة إلى علاقة استعبادية مثل تلك التي وردت في مجموعة من التوقعات التمثيلية التي جسدتها هوليوود بشكل صادم، لكنه حقيقي. عندما تستفحل حالة السيطرة "التطبيقاتية"، سيصبح فقدان الثقة حالة من البحث عمن يوجه الحياة عموما وليس السيارات فقط، ولعل ما نلاحظه من تطورات في عالم الألعاب والكتب من تطبيقات غير محدودة هو ما سيدفع الناس إلى تبني فكرة رفع اليد عن كل شيء وتسليم الأمر للآلات. يلاحظ ذلك في العمليات الصناعية المعقدة، ويأتي اليوم الجراح الإلكتروني الذي يمكن أن يؤدي العمل بدقة تتجاوز القدرات البشرية بأضعاف المرات. ثم إنه لا يزال هناك تطور أهم في عالم الطب، وهو ما يجعل المريض يدخل في برنامج متكامل يقدم الفحص والتحليل والعلاج دون تدخل بشري. هذه التطبيقات ستصبح متوافرة للأطفال - حتى، ومعها استمرار انحسار الثقة في القدرة البشرية، وعندها سيكون الأغلبية قد فقدوا أي ارتباط بالواقع، وأصبحوا أسرى لما تقدمه التطبيقات لهم من برامج حياة ولياقة ومعيشة، ثم يتحول الإنسان إلى خادم ضمن مجموعة كبيرة من الأشخاص الذين يقومون في النهاية بالأعمال التي لا تفضل التطبيقات أن تعمل بها. مستقبل مخيف، لكنه يستحق التأمل.
إنشرها