Author

وثيقة التخصيص .. وجهة نظر فردية

|
تشكل وثيقة برنامج التخصيص التي خرجت قبل أيام تطورا مهما في مستوى شفافية البرامج الاقتصادية على المستوى الوطني. وتشكل كذلك تطورا مهما على مختلف مراحل التخصيص السابقة والحالية، بالنظرة الشمولية والأسلوب المحدد الأهداف والمؤشرات. ولكن، بعيدا عن اهتمامات الاقتصاديين الكلية أو عن إرهاصات التحديات التنظيمية، تشكل الوثيقة مصدرا جيدا لعديد من المعطيات المهمة على المستوى الفردي، على مستوى المواطن المستفيد من الخدمات العامة والمواطن الموظف في جهات متأثرة ببرنامج التخصيص. بداية، لا يمكن تجاهل التفاصيل النوعية الجديدة الموجودة في الوثيقة. التغيير كبير جدا؛ منذ أن كان الإعلان عن الخطط التنموية يسير على شكل طموحات عامة وعبارات شاملة، أصبح التحرك اليوم يسير وفق إطار معلن وواضح وموحد، بمتطلبات وأدوار تشريعية محددة، ومسؤوليات تنفيذية واضحة. بل إن القارئ لتفاصيل البرنامج يجد أنه يحتوى على عناصر لم تكن تقال، مثل الخلاصات و"الحقائق" المستمدة من الواقع، والتحديات التي يتم استشعارها، إضافة إلى المخاطر المحيطة بتنفيذ برامج التخصيص وكل هذه عناصر رئيسة في المستند منصوص عليها بصراحة ومصنفة حسب طبيعتها. يمثل هذا النوع من المعلومات اعترافات شجاعة من فريق العمل، فهم لا يعرفون ذلك فقط، بل يقولون إن هذا ما نعرفه حتى اليوم وهذا ما نعتقد أننا نتعامل معه. وصل المستند من ناحية الشفافية إلى ما هو أبعد من ذلك، إذ استعرض مجموعة من التعارضات المحتملة مع البرامج والجهات الأخرى. وهذا يستجيب لقضية كان كثيرون يعترفون بها صراحة أو ضمنا، وهي أن الدور التنسيقي بين الجهات الحكومية يحتاج إلى أسلوب مختلف عن الطريقة التي كان يدار بها. وجود قائمة بالتعارضات يبين أن هناك من أخضع فرص التكامل وإمكانات التعارض للدراسة، تم التوافق عليها، وتم تضمين نتائج ذلك ضمن البرامج والخطط. وهذا احتراز معتبر لمشكلة سابقة وتطور يستحق الإشادة. وما بدأ به المستند ويستحق الإشارة كذلك تحديد النطاق بشكل محدد، فالمستند ليس أما لكل حركات التخصيص في البلاد، بل حدد النطاق وحدد كذلك ما هو خارج النطاق وهذا دأب كل بادئ حصيف. تم التأكيد في وثيقة برنامج التخصيص على هدفين مهمين، وهما: إتاحة الأصول المملوكة للدولة أمام القطاع الخاص وتخصيص خدمات حكومية محددة، واندرجت كذلك قائمة أطول من الأهداف ذات العلاقة غير المباشرة التي ترتبط بإعادة الهيكلة الحكومية وتحسين الأداء خدمة للاقتصاد والارتقاء بجودة الخدمات المقدمة للمواطنين. وعلى الرغم من أن التخصيص سيؤثر في طريقة وجود الوظائف الحكومية في كثير من القطاعات إلا أن البرنامج يلتزم باستحداث عشرة آلاف وظيفة على الأقل والمساهمة في الناتج المحلي بـ 13-14 مليار ريال سعودي. من استعراض التحديات نجد أن تدني الخبرات والمعارف والمهارات المتعلقة بالتخصيص يأتي أول القائمة. وتشير القائمة كذلك إلى مقاومة التخصيص، وكل ذلك تفاصيل تستحق الاعتراف بحثا عن البدائل. من المشاهدات كذلك أن أمثلة المؤشرات وربطها بالأهداف غير المباشرة تشمل مثلا: مدة انتظار الحصول على موعد من طبيب، والوقت المستخدم لتسلم شحنة من الميناء، ومثل هذه المؤشرات تشكل عامل ضغط على الجهات ذات العلاقة لزيادة الكفاءة التي لن تحصل إلا بقدرات وكفاءات بشرية تسهم في هذه النتيجة. أي أن المعطلين الكسالى لا مكان لهم بعد اليوم وكل جهة ستحرص، تحقيقا لمؤشراتها، على البحث عمن يمكنها من تحقيق هذه المؤشرات. لم تتحدث الوثيقة عن المواطن المستفيد من الخدمات بشكل مباشر ولكنها ذكرت الارتقاء بمستوى الخدمات وإتاحتها لعدد أكبر بأكثر من طريقة. وهذا في الحقيقة يتطلب أمرين، الأول أن ترتفع فعليا جودة وقيمة الخدمات المقدمة من مقدمي الخدمات الخاضعة للتخصيص، والآخر أن يستوعب المواطن هذا التغيير وفق تعريفه للقيمة التي يحصل عليها. وهذا يعني أن عملية التخصيص تنطوي على عدة دورات من إعادة تعريف القيمة وتكلفة الحصول على القيمة، وهذه كلها تطورات تحصل من جانب المستفيد أكثر من مقدم الخدمة نفسه. ينبغي أن يعيها مقدم الخدمة وسيؤثر فيها ولكن سيكون للمستفيد دور كبير من ناحية تقبلها وترتيب بدائلها. لا أنسى أن أذكر أن الوثيقة أشارت في أكثر من موطن إلى تحديثها مستقبلا وفق تفاصيل المبادرات الجديدة التي ستنطلق. أتمنى أن تخرج في المستقبل بشكل دوري كتحديث لتفاصيل المبادرات الواقعة ضمن نطاقها خصوصا المؤشرات المتجددة وما يقابلها من أداء فعلي، إضافة إلى التحديثات على إطار البرنامج بشكل عام.
إنشرها