Author

مؤشرات نجاح البرامج

|

الاهتمام بالشأن العام يفرض المقارنة بين الدول في مستويات التنمية، والنجاحات التي تحققها بعض الدول، والفشل أو النجاح الجزئي الذي تحققه دول أخرى، رغم أن الإنفاق على البرنامج، أو البرامج قد يكون متقاربا، إن لم يكن الإنفاق في الدول الأقل نجاحا في تنفيذ برامجها أعلى من الدول الأخرى. المقارنة تطرح سؤالا مهما: لماذا هذا التباين، رغم أن لا أحد يرضى بالفشل، أو بالنجاح المتواضع الذي لا يتناسب مع حجم الأموال التي أنفقت على البرنامج؟
البرامج بغض النظر عن طبيعتها تعليمية أو صحية أو اجتماعية، أو اقتصادية، أو تنموية عامة تتقاطع فيما بينها في معطيات النجاح والفشل، مع وجود عوامل خاصة لكل برنامج دون آخر، فالصين إلى وقت قريب ليست لها تلك المكانة السياسية ولا الاقتصادية التي تتمتع بها الآن، بل لم تكن عضوا في هيئة الأمم المتحدة، وضربت على نفسها عزلة حتى بنت نفسها وخرجت لتفرض نفسها على العالم وتصبح عضوا دائم العضوية في مجلس الأمن. والأمر لا يقتصر على الصين فاليابان وكوريا الجنوبية كلها دول أثبتت نجاح برامجها التنموية حتى غزت بضائعها أسواق العالم وتنافس دولا سبقتها في مضمار التنمية.
معطيات النجاح لأي برنامج تتمثل في المدخلات، والعمليات، والمخرجات، والفلسفة الرشيدة والإدارة الفاعلة وخطة مفصلة ودقيقة وواضحة ومرنة ما يسمح بتعديل الخطة حسب الظروف والمستجدات، فالخطة في صورتها النظرية قد تواجه بعض المعضلات عند محاولة تنفيذها على أرض الواقع. المدخلات البشرية والمادية أمر ضروري لكنها لا تكفي، فالمدرسة بالمختبرات والمعامل ومصادر المعلومات والمعلمون لا تحقق الأهداف، إذ لا بد من عمليات جيدة تنفذ وفق الأصول العلمية، فلو كان البرنامج تربويا لا بد من محاضرات وزيارات ميدانية وتجارب وواجبات وعمليات تقويم تكشف الإيجابيات والسلبيات. وإذا ما تمت العمليات بالصورة المناسبة، فهذا سيحقق الأهداف المرجوة بمخرجات عالية الإعداد معرفيا، ومهاريا وأخلاقيا، وطريقة تفكير موضوعية تأخذ بالقوانين والنظريات العلمية. كل هذه تتطلب إدارة قادرة على الاستثمار الأمثل للإمكانات المتوافرة، بدلا من تركها مخزنة في الغرف والمستودعات. ويحضرني مثال حقيقي، حيث قام أحد موظفي ديوان المراقبة بزيارة تفتيشية لإحدى الدوائر الحكومية وسأل عن أجهزة حاسب آلي سبق لهذه الإدارة شراؤها، فأخبر أنها في المستودع منذ شرائها رغم مرور وقت طويل عليها، ويتكدس عليها الغبار.
اللوائح والأنظمة تمثل عنصر نجاح يلزم توفيره في أي برنامج إذ بموجبها يعرف العاملون حقوقهم وواجباتهم، وفي ضوئها يتم تنفيذ الفعاليات بشكل جيد وتتم مكافأة المنجز ومحاسبة المقصر.
لو أسقطنا مفاهيم وركائز البرامج التي تم عرضها فيما سبق على برنامج التحول الوطني "ورؤية 2030" من الممكن القول إن برنامج التحول الوطني ذو طبيعة اقتصادية، وكذلك «الرؤية»، لكن هذا لا يعني تجردهما من الآثار الاجتماعية والسلوكية والقيمية، فالبرامج حتى إن كانت ذات طبيعة اقتصادية إلا أنها تحمل في طياتها تغيرات في طريقة التفكير والاتجاهات، وقيم العمل وعادات جديدة يتم اكتسابها مع الوقت.
"الرؤية" برنامج كبير يتضمن برامج أصغر، إلا أن هذه البرامج تتكامل مع بعضها، لتشكل في النهاية "الرؤية"، وغني عن التأكيد أهمية وجود فلسفة توجه "الرؤية" لتحقق أهدافها، مع توفير المدخلات اللازمة ووجود خطة عمل تعكس المراحل والخطوات التي تسير عليها "الرؤية"، على أن تتسم بالمرونة لتغيير المسار، وتأجيل بعض الأهداف في حال اعترضت البرنامج بعض المعوقات، على أن تكون الفعاليات مناسبة للأهداف وتتلاءم مع الإمكانات المتوافرة حتى لا يحبط القائمون على تنفيذ فعاليات البرامج المتعددة. القائمون على تنفيذ الخطة يفترض أن يتحلوا بخصائص قيادية ومهارات عمل عالية تمكنهم من تنفيذ خطة التحول الوطني و"الرؤية".
تقييم، وتقويم سير العمل في البرامج أمر بدهي، ولا ضير في اكتشاف الخلل، والاعتراف بالصعوبات والأخطاء إذا ما رغبنا في تحقيق الهدف الكبير، ولعله من المناسب التأكيد على أهمية التوافق بين البرامج بأهدافها، وفعالياتها مع منظومة الثقافة والقيم التي يؤمن بها أفراد المجتمع، لأن خلاف ذلك يؤدي إلى نفور ورفض للبرامج وفعالياتها، فقيمة الرضا والقبول إذا ما تحققت تزيد من الحماس، وبذل مزيد من الجهد، وهذه هي الطاقة المحركة والمحققة للنجاح.

إنشرها