Author

الحوكمة الجديدة للسوق النفطية وعلاقتها بالإنتاج

|

جاءت تصريحات خالد الفالح وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية السعودي، بعد اجتماعات لجنة مراقبة الإنتاج الوزارية التي عقدت في جدة مطلع هذا الأسبوع، لتسلط كثيرا من الضوء على حالة السوق النفطية الآن، وعلى اتجاهاتها في المستقبل، ولعل أهم رسالة وصلت إلى الأسواق هي صدق الالتزام بالمستويات المقررة من حصص الإنتاج بين الدول، وأن هذا الالتزام يعد سابقة تاريخية في عالم الأسواق النفطية، فقد جرت العادة على أن هذه الاتفاقات تواجه صعوبة في الماضي وذلك بمجرد ظهور مؤشرات التعافي في السوق ويصبح عدم الالتزام بالحصص هو المهيمن على الأوضاع وما يلبث أن يزول أي أثر للتخفيض وتعود السوق إلى التخمة في المعروض وتفشل الاجتماعات ويسود القلق مرة أخرى. لكن هذه المرة وبقيادة السعودية وتحت مظلتها هناك تضامن قوي جدا بين الدول الـ24، والتزام مستمر حتى الاجتماعات المقبلة لـ "أوبك" في فيينا بعد نحو شهرين. لكن ما الذي تغير فعليا في السوق؟
لعل التغيرات الهيكلية في إدارة السوق النفطية قد أثرت بعمق في توجهاتها، ففي السابق كانت إدارة السوق النفطية تنقسم بشكل رئيس بين مجموعة أوبك وبين الدول من خارج "أوبك" وعلى رأسها روسيا، ولقد واجهت السوق النفطية كثيرا من تضارب المصالح بين هاتين المجموعتين الرئيستين خصوصا، وهو ما كان يقود إلى فشل كل الجهود في إصلاح السوق النفطية، لكن الحوكمة الاقتصادية للسوق النفطية اليوم أخذت مسارا جديدا بجهود ضخمة قامت بها السعودية خاصة بعد إعلان الجزائر التاريخي في عام 2016 ومهدت إلى دخول 11 دولة آنذاك في الاتفاق التاريخي، وظهرت إلى سطح الاقتصاد العالمي مجموعة الـ 24، التي راهنت على الإنتاج للوصول إلى مستويات الالتزام المنشودة.
إذا لدينا اليوم نظام حوكمة اقتصادية جديد في السوق النفطية أثبت فاعليته ونتج عنه التزام وتضامن واسع بين المنتجين وأكد هذا الخطاب وزير الطاقة الإماراتي، ولكنه في الوقت نفسه أشار إلى أن أهمية دور لجنة مراقبة المخزون المنبثقة عن مجموعة الـ 24 التي طلبت من فريق الخبراء دراسة الخيارات أو النظرة العالية التي تمثل مستوى المخزون الصحي أو المطلوب للأسواق"، وهذه العبارات الأخيرة تمثل تطورا تاريخيا في السوق النفطية وأيضا نتائج مهمة للإدارة الجيدة للسوق، فبالإشارة إلى تصريحات وزير الطاقة السعودي بشأن الدور القيادي للسعودية وحكومتها بتوجيهات خادم الحرمين الشريفين وولي عهده للعمل بشكل مهني ومحترف مع زملائنا في الدول المنتجة، فإن هذه التوجيهات أتت من الدور الرئيس الذي تقوم به المملكة للحفاظ على استقرار أسواق الطاقة، والبحث عن سوق صحية للاستثمار"، ومرة أخرى تظهر بقوة عبارة السوق الصحية، وهذه السوق الصحية هي الهدف من اجتماع "أوبك" المقبل الذي عليه أن يقرر مع دول مجموعة الـ24 المستوى الصحي للسوق وللمخزونات، وليس ماهية الأسعار نفسها.
وهنا نرى التغير الجذري في السوق النفطية وفي تفكير وتوجهات "أوبك" ومجموعة الدول المنتجة من خارجها. فالمسألة لم تعد مناقشة التخفيضات ولا المنافسة ولا تحدي المستهلكين بل البحث الجدي عن المستويات الصحية من المخزونات العالمية، فهي مخزونات تحقق للدول المستهلكة أمانا تنمويا وتمنحها قدرة على تخطيط قدراتها الصناعية والتنموية، بينما تمنح المنتجين القدرة على التحكم في مستويات المخزونات وليس الإنتاج مباشرة والفرق بين العبارتين كبير، فالتحكم في مستويات المخزونات من جانب المنتجين يعني ضمانات إمداد تفي بالغرض دون حدوث صدمات تخمة بسبب زيادة المخزونات نتيجة قلق المستهلكين من اتجاهات الأسعار في المستقبل. لكن هذا المستوى من العلاقات والثقة بين الطرفين قد يتطلب أكثر من مجموعة الـ 24 واجتماعات "أوبك"، ذلك أنه من الصعوبة بمكان أن يتم تحديد مستويات المخزونات الصحية ومن ثم السوق الصحية العادلة لجميع الأطراف، بمجرد استخدام الأرقام التاريخية للإنتاج أو الاستهلاك العالمي، أو حتى استخدام مؤشرات النمو الاقتصادي، بل لا بد من حوار موسع بين المنتجين والمستهلكين وهي خطوة لعلها تكون قريبة فيما لو استمرت "أوبك" ومجموعة الـ 24 في التضامن وحوكمة السوق بالطريقة القائمة اليوم، فالحاجة ماسة إذا لتثبت أسلوب العمل أكثر من تثبيت مستويات الإنتاج.

إنشرها